" وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ" فِيهِمْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمُ الْمُنَافِقُونَ، قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: مَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَكَلَةُ «١» رَأْسٍ، وَهُوَ هَالِكٌ وَمَنْ مَعَهُ، فَهَلُمَّ إِلَيْنَا. الثَّانِي: أَنَّهُمُ الْيَهُودُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: هَلُمَّ إِلَيْنَا، أَيْ تَعَالَوْا إِلَيْنَا وَفَارِقُوا مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ هَالِكٌ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ إِنْ ظَفِرَ لَمْ يُبْقِ مِنْكُمْ أَحَدًا. وَالثَّالِثُ: مَا حَكَاهُ ابْنُ زَيْدٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ، فَقَالَ أَخُوهُ- وَكَانَ مِنْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ-: هَلُمَّ إِلَيَّ، قَدْ تُبِعَ بِكَ وَبِصَاحِبِكَ، أَيْ قَدْ أُحِيطَ بِكَ وَبِصَاحِبِكَ. فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ، وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ بِأَمْرِكَ، وَذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ، فَوَجَدَهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا". ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ أَيْضًا. وَلَفْظُهُ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ هَذَا يَوْمَ الْأَحْزَابِ، انْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ أَخَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَغِيفٌ وَشِوَاءٌ وَنَبِيذٌ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي هَذَا وَنَحْنُ بَيْنَ الرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ؟ فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى هَذَا فَقَدْ تُبِعَ لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ، وَالَّذِي تَحْلِفُ بِهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا مُحَمَّدٌ أَبَدًا. فَقَالَ: كَذَبْتَ. فَذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ فَوَجَدَهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ. (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: لا يحضرون القتال إلا رياء وسمعة.
[[سورة الأحزاب (٣٣): آية ١٩]]
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) أَيْ بُخَلَاءَ عَلَيْكُمْ، أَيْ بِالْحَفْرِ فِي الْخَنْدَقِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: بِالْقِتَالِ مَعَكُمْ وقيل: بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم.
(١). أي هم قليل يشبعهم رأس واحد وهو جمع آكل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute