للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة النساء (٤): الآيات ٩٧ الى ٩٩]

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩)

الْمُرَادُ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا وَأَظْهَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ بِهِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامُوا مَعَ قَوْمِهِمْ وَفُتِنَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ فَافْتُتِنُوا، فَلَمَّا كَانَ أَمْرُ بَدْرٍ خَرَجَ مِنْهُمْ قَوْمٌ مَعَ الْكُفَّارِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَحْقَرُوا عَدَدَ الْمُسْلِمِينَ دَخَلَهُمْ شَكٌّ فِي دِينِهِمْ فَارْتَدُّوا فَقُتِلُوا عَلَى الرِّدَّةِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ وَأُكْرِهُوا عَلَى الْخُرُوجِ فَاسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَالْأَوَّلُ أصح. روى البخاري عن محمد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ «١» فَاكْتَتَبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَهْدِ «٢» رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى بِهِ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ). قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا لَمْ يَسْتَنِدْ بِعَلَامَةِ تَأْنِيثٍ، إِذْ تَأْنِيثُ لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا عَلَى مَعْنَى تَتَوَفَّاهُمْ، فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ فُورَكَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْمَعْنَى تَحْشُرُهُمْ إِلَى النَّارِ. وَقِيلَ: تَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ، وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ مَلَكُ الموت، لقوله تعالى:


(١). أي ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة (عن شرح القسطلاني).
(٢). كذا في كل الأصول. والذي في البخاري على العسقلاني: يكثرون سواد المشركين على رسول الله.