للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ وَشُرَكَاؤُنَا فُقَرَاءُ. وَكَانَ هَذَا مِنْ جَهَالَاتِهِمْ وَبِزَعْمِهِمْ. وَالزَّعْمُ الْكَذِبُ. قَالَ شُرَيْحٌ القاضي: إن لكل شي كُنْيَةٌ وَكُنْيَةُ الْكَذِبِ زَعَمُوا. وَكَانُوا يَكْذِبُونَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بِذَلِكَ شَرْعٌ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَلْيَقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ إِلَى قَوْلِهِ: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ". قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّهَا تَصَرَّفَتْ بِعُقُولِهَا الْعَاجِزَةِ فِي تَنْوِيعِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ سَفَاهَةً بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَلَا عَدْلٍ، وَالَّذِي تَصَرَّفَتْ بِالْجَهْلِ فِيهِ مِنِ اتِّخَاذِ الْآلِهَةِ أَعْظَمُ جَهْلًا وَأَكْبَرُ جُرْمًا، فَإِنَّ الِاعْتِدَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ. وَالدَّلِيلُ فِي أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ وَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ وَاحِدٌ فِي مَخْلُوقَاتِهِ أَبْيَنُ وَأَوْضَحُ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِنَّكُمْ عَلَى كَمَالِ عُقُولِكُمْ وَوُفُورِ أَحْلَامِكُمْ عَبَدْتُمُ الْحَجَرَ! فَقَالَ عَمْرٌو: تِلْكَ عُقُولٌ كَادَهَا بَارِيهَا. فَهَذَا الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ سَخَافَةِ الْعَرَبِ وَجَهْلِهَا أَمْرٌ أَذْهَبَهُ الْإِسْلَامُ، وَأَبْطَلَهُ اللَّهُ بِبَعْثِهِ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَكَانَ مِنَ الظَّاهِرِ لَنَا أَنْ نُمِيتَهُ حَتَّى لَا يَظْهَرَ، وَنَنْسَاهُ حَتَّى لَا يُذْكَرَ، إِلَّا أَنَّ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَهُ بِنَصِّهِ وَأَوْرَدَهُ بِشَرْحِهِ، كَمَا ذَكَرَ كُفْرَ الْكَافِرِينَ بِهِ. وَكَانَتِ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ قَضَاءَهُ قَدْ سَبَقَ، وَحُكْمَهُ قَدْ نَفَذَ بِأَنَّ الْكُفْرَ وَالتَّخْلِيطَ لَا يَنْقَطِعَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وثاب والسلمى والأعمش والكسائي" بزعمهم" بضمه الزَّايِ. وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ) أَيْ إِلَى الْمَسَاكِينِ. (ساءَ مَا يَحْكُمُونَ) أَيْ سَاءَ الْحُكْمُ حُكْمُهُمْ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانُوا إِذَا ذَبَحُوا مَا لِلَّهِ ذَكَرُوا عَلَيْهِ اسْمَ الْأَوْثَانِ، وَإِذَا ذَبَحُوا مَا لِأَوْثَانِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ، فَهَذَا مَعْنَى" فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ". فَكَانَ تَرْكُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ مَذْمُومًا مِنْهُمْ وَكَانَ دَاخِلًا فِي تَرْكِ أَكْلِ ما لم يذكر اسم الله عليه.

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٣٧]]

وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧)