للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) الْمَعْنَى: فَكَمَا زُيِّنَ لِهَؤُلَاءِ أَنْ جَعَلُوا لِلَّهِ نَصِيبًا وَلِأَصْنَامِهِمْ نَصِيبًا كَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: زَيَّنَتْ لَهُمْ قَتْلَ الْبَنَاتِ مخافة العيلة. قال الفراء والزجاج: شركاؤهم ها هنا هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَخْدُمُونَ الْأَوْثَانَ. وَقِيلَ: هُمُ الْغُوَاةُ مِنَ النَّاسِ. وَقِيلَ: هُمُ الشَّيَاطِينُ. وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْوَأْدِ الْخَفِيِّ «١» وَهُوَ دَفْنُ الْبِنْتِ حية مخافة السباء والحاجة، وعدم ما حر من مِنَ النُّصْرَةِ. وَسَمَّى الشَّيَاطِينَ شُرَكَاءَ لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَأَشْرَكُوهُمْ مَعَ اللَّهِ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِمْ. وَقِيلَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنْ وُلِدَ لَهُ كَذَا وَكَذَا غُلَامًا لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ، كَمَا فَعَلَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ. ثُمَّ قِيلَ: فِي الْآيَةِ أَرْبَعُ قِرَاءَاتٍ، أَصَحُّهَا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ:" وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ" وَهَذِهِ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ." شُرَكاؤُهُمْ" رُفِعَ بِ" زُيِّنَ"، لِأَنَّهُمْ زَيَّنُوا وَلَمْ يَقْتُلُوا." قَتْلَ" نُصِبَ بِ" زُيِّنَ" وَ" أَوْلادُهُمْ" مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَالْأَصْلُ فِي الْمَصْدَرِ أَنْ يُضَافَ إِلَى الْفَاعِلِ، لِأَنَّهُ أحدثه ولأنه لا يستعني عَنْهُ وَيُسْتَغْنَى عَنِ الْمَفْعُولِ، فَهُوَ هُنَا مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ لَفْظًا مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ مَعْنًى، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَهُمْ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ، ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ وَهُوَ الْفَاعِلُ كَمَا حُذِفَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" لَا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ «٢» "" أَيْ مِنْ دُعَائِهِ الْخَيْرَ. فَالْهَاءُ فَاعِلَةُ الدُّعَاءِ، أَيْ لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَنْ يَدْعُوَ بِالْخَيْرِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَنْ يَقْتُلُوا أَوْلَادَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ. قَالَ مَكِّيٌّ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ الِاخْتِيَارُ، لِصِحَّةِ الْإِعْرَابِ فِيهَا وَلِأَنَّ عَلَيْهَا الْجَمَاعَةَ. الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ" زُيِّنَ" (بِضَمِّ الزَّايِ)." لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ" (بِالرَّفْعِ)." أَوْلادُهُمْ" بِالْخَفْضِ." شُرَكاؤُهُمْ" (بِالرَّفْعِ) قِرَاءَةُ الْحَسَنِ. ابْنُ عَامِرٍ وَأَهْلُ الشَّامِ" زُيِّنَ" بِضَمِّ الزَّايِ" لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ" بِرَفْعِ" قَتْلُ" وَنَصْبِ" أَوْلَادِهِمْ"." شُرَكَائِهِمْ" بِالْخَفْضِ فِيمَا حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ، وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّهُمْ قَرَءُوا" وَكَذَلِكَ زُيِّنَ" بِضَمِّ الزَّايِ" لكثير من المشركين قتل"


(١). كذا في كل الأصول، والمعروف أن الوأد الخفي هو العزل كما صح في الحديث.
(٢). راجع ج ١٥ ص ٣٧٢.