للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة يونس (١٠): آية ٨٧]]

وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) فِيهِ خمس مسائل: الاولى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا" أَيِ اتَّخِذَا." لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً" يُقَالُ: بَوَّأْتُ زَيْدًا مَكَانًا وَبَوَّأْتُ لِزَيْدٍ مَكَانًا. وَالْمُبَوَّأُ الْمَنْزِلُ الْمَلْزُومُ، وَمِنْهُ بَوَّأَهُ اللَّهُ مَنْزِلًا، أَيْ أَلْزَمَهُ إِيَّاهُ وَأَسْكَنَهُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) قَالَ الرَّاجِزُ:

نَحْنُ بَنُو عَدْنَانَ لَيْسَ شَكُّ ... تَبَوَّأَ الْمَجْدُ بِنَا وَالْمُلْكُ

وَمِصْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ، فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّهُ الْبَلَدُ الْمُسَمَّى مِصْرُ، وَمِصْرُ مَا بَيْنَ الْبَحْرِ إِلَى أُسْوَانَ، وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي مَسَاجِدِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَكَانَتْ ظَاهِرَةً، فَلَمَّا أُرْسِلَ مُوسَى أَمَرَ فِرْعَوْنُ بِمَسَاجِدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَخُرِّبَتْ كُلُّهَا وَمُنِعُوا مِنَ الصَّلَاةِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلى موسى وهارون أن اتخذا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بُيُوتًا بِمِصْرَ، أَيْ مَسَاجِدَ، وَلَمْ يُرِدِ الْمَنَازِلَ الْمَسْكُونَةَ. هَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِ زَيْدٍ وَالرَّبِيعِ وَأَبِي مَالِكٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْمَعْنَى: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، أَيِ اجْعَلُوا مَسَاجِدَكُمْ إِلَى الْقِبْلَةِ، قِيلَ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَهِيَ قِبْلَةُ الْيَهُودِ إِلَى الْيَوْمِ، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. وَقِيلَ الْكَعْبَةُ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ شَرْعًا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ تَخْلُ الصَّلَاةُ عَنْ شَرْطِ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التَّكْلِيفِ وَأَوْفَرُ لِلْعِبَادَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ سِرًّا لِتَأْمَنُوا، وَذَلِكَ حِينَ أَخَافَهُمْ فِرْعَوْنُ فَأُمِرُوا بِالصَّبْرِ وَاتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ،