للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ الثَّوَابَ مُضَاعَفًا قَطْعًا، وَنَحْنُ لَا نَقْطَعُ بِالتَّضْعِيفِ فِي مَوْضِعٍ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مِقْدَارِ النِّيَّاتِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُغَيَّبٌ، وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّ هُنَاكَ تَضْعِيفًا وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآيِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْأَجْرِ، مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) وَقَوْلُهُ: (مَنْ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا). وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" [النساء: ١٠٠] وَبِدَلِيلِ أَنَّ النِّيَّةَ الصَّادِقَةَ هِيَ أَصْلُ الْأَعْمَالِ، فَإِذَا صَحَّتْ فِي فِعْلِ طَاعَةٍ فَعَجَزَ عَنْهَا صَاحِبُهَا لِمَانِعٍ مَنَعَ مِنْهَا فَلَا بُعْدَ فِي مُسَاوَاةِ أَجْرِ ذَلِكَ الْعَاجِزِ لِأَجْرِ الْقَادِرِ الْفَاعِلِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خير من عمله). والله أعلم.

[[سورة التوبة (٩): آية ١٢٢]]

وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)

فيه ست مسائل: الاولى- قوله تعالى: (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ) هي أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ عَلَى الْأَعْيَانِ وَأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، إِذْ لَوْ نَفَرَ الْكُلُّ لَضَاعَ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنَ الْعِيَالِ، فَلْيَخْرُجْ فَرِيقٌ مِنْهُمْ لِلْجِهَادِ وَلْيُقِمْ فَرِيقٌ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ وَيَحْفَظُونَ الْحَرِيمَ، حَتَّى إِذَا عَادَ النَّافِرُونَ أَعْلَمَهُمُ الْمُقِيمُونَ مَا تَعَلَّمُوهُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَمَا تجدد نزول عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذِهِ الآية ناسخة لقوله تعالى:" إِلَّا تَنْفِرُوا" [التوبة: ٣٩] وَلِلْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ زَيْدٍ. الثَّانِيَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي وُجُوبِ طَلَبِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقيم لا ينفر فيتركوه وحده." فَلَوْلا نَفَرَ" بعد ما عَلِمُوا أَنَّ النَّفِيرَ لَا يَسَعُ جَمِيعَهُمْ." مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ" وَتَبْقَى بَقِيَّتُهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ