قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَعْلَمُ حَلَالًا مِنْ حَرَامٍ وَمِنْ جَهَالَتِهِ رَكِبَ الْأَمْرَ، فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ خَطِيئَةً فَهُوَ بِهَا جَاهِلٌ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي" النِّسَاءِ" «١» وَقِيلَ: مَنْ آثَرَ الْعَاجِلَ عَلَى الْآخِرَةِ فَهُوَ الْجَاهِلُ. (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قَرَأَ بِفَتْحِ" أَنَّ" مِنْ" فَأَنَّهُ" ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ، وَكَذَلِكَ" أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ" وَوَافَقَهُمَا نَافِعٌ فِي" أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ". وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا، فَمَنْ كَسَرَ فَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلرَّحْمَةِ، وَ (إِنْ) إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجُمَلِ كُسِرَتْ وَحُكْمُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ الِابْتِدَاءُ وَالِاسْتِئْنَافُ فَكُسِرَتْ لِذَلِكَ. وَمَنْ فَتَحَهُمَا فَالْأَوْلَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَدَلِ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ وَهُوَ هُوَ فَأَعْمَلَ فِيهَا (كَتَبَ) كَأَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ، وَأَمَّا (فَأَنَّهُ غَفُورٌ) بِالْفَتْحِ فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مُضْمَرٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَلَهُ أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ مُبْتَدَأٌ، أَيْ فَلَهُ غُفْرَانُ اللَّهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُضْمَرَ مُبْتَدَأُ تَكُونُ (أَنَّ) وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ خَبَرُهُ، تَقْدِيرُهُ: فَأَمْرُهُ غُفْرَانُ اللَّهِ لَهُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ سِيبَوَيْهِ، وَلَمْ يُجِزِ الْأَوَّلَ، وَأَجَازَهُ أَبُو حَاتِمٍ. وَقِيلَ: إِنَّ (كَتَبَ) عَمِلَ فِيهَا، أَيْ كَتَبَ رَبُّكُمْ أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ هُرْمُزٍ كَسْرُ الْأُولَى عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَفَتْحُ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً أَوْ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ أَوْ مَعْمُولَةً لِكَتَبَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَمَنْ فَتَحَ الْأُولَى- وَهُوَ نَافِعٌ- جَعَلَهَا بَدَلًا مِنَ الرَّحْمَةِ، وَاسْتَأْنَفَ الثَّانِيَةَ لأنها بعد الفاء، وهي قراءة بينة.
[[سورة الأنعام (٦): آية ٥٥]]
وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) التَّفْصِيلُ التَّبْيِينُ الَّذِي تَظْهَرُ بِهِ الْمَعَانِي، وَالْمَعْنَى: وَكَمَا فَصَّلْنَا لَكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ دَلَائِلَنَا وَمُحَاجَّتَنَا مَعَ الْمُشْرِكِينَ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي كُلِّ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَنُبَيِّنُ لَكُمْ أَدِلَّتَنَا وَحُجَجَنَا فِي كُلِّ حَقٍّ يُنْكِرُهُ أَهْلُ الباطل.
(١). راجع ج ٥ ص ٩٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute