[[سورة الإنسان (٧٦): آية ٤]]
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً) بَيَّنَ حَالَ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَنَّهُ تَعَبَّدَ الْعُقَلَاءَ وَكَلَّفَهُمْ وَمَكَّنَهُمْ مِمَّا أَمَرَهُمْ، فَمَنْ كَفَرَ فَلَهُ الْعِقَابُ، وَمَنْ وَحَّدَ وَشَكَرَ فَلَهُ الثَّوَابُ. وَالسَّلَاسِلُ: الْقُيُودُ فِي جَهَنَّمَ طُولُ كُلِّ سَلْسَلَةٍ سَبْعُونَ ذِرَاعًا كَمَا مَضَى فِي" الْحَاقَّةِ" «١». وَقَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِشَامٍ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ" سَلَاسِلًا" مُنَوَّنًا. الْبَاقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ. وَوَقَفَ قُنْبُلٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ بِغَيْرِ أَلِفٍ. الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ. فَأَمَّا (قَوَارِيرُ) الْأَوَّلُ فَنَوَّنَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَلَمْ يُنَوِّنِ الْبَاقُونَ. وَوَقَفَ فِيهِ يَعْقُوبُ وَحَمْزَةُ بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَالْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ. وَأَمَّا (قَوَارِيرُ) الثَّانِيَةُ فَنَوَّنَهُ أَيْضًا نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يُنَوِّنِ الْبَاقُونَ. فَمَنْ نَوَّنَ قَرَأَهَا بِالْأَلِفِ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ أَسْقَطَ مِنْهَا الْأَلِفَ، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ التَّنْوِينَ فِي الثَّلَاثَةِ، وَالْوَقْفَ بِالْأَلِفِ اتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَفِ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي مُصْحَفِ عثمان" سلاسلا" بالألف وقَوارِيرَا الْأَوَّلُ بِالْأَلِفِ، وَكَانَ الثَّانِي مَكْتُوبًا بِالْأَلِفِ فَحُكَّتْ فَرَأَيْتُ أَثَرَهَا هُنَاكَ بَيِّنًا. فَمَنْ صَرَفَ فَلَهُ أَرْبَعُ حُجَجٍ: أَحَدُهَا- أَنَّ الْجُمُوعَ أَشْبَهَتِ الْآحَادَ فَجُمِعَتْ جَمْعَ الْآحَادِ، فَجُعِلَتْ فِي حُكْمِ الْآحَادِ فَصُرِفَتْ. الثَّانِيَةُ- أَنَّ الْأَخْفَشَ حَكَى عَنِ الْعَرَبِ صَرْفَ جَمِيعِ مَا لَا يَنْصَرِفُ إِلَّا أَفْعَلُ مِنْكَ، وَكَذَا قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: هُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَجُرُّ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا إِلَّا قَوْلَهُمْ هُوَ أَظْرَفُ مِنْكَ فَإِنَّهُمْ لَا يَجُرُّونَهُ، وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
كَأَنَّ سُيُوفَنَا فِينَا وَفِيهِمْ ... مَخَارِيقٌ بِأَيْدِي لَاعِبِينَا
وَقَالَ لَبِيدٌ:
وَجَزُورِ أَيَسَارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِهَا ... بِمَغَالِقٍ مُتَشَابِهٍ أَجْسَامُهَا
وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
فَضَلًا وَذُو كَرَمٍ يُعِينُ عَلَى النَّدَى ... سَمْحٌ كسوب رغائب غنامها
(١). راجع ج ١٨ ص ٢٧٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute