للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثانية- في الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مَرَاتِبَ أَوْلِيَائِهِ فِي كِتَابِهِ بَدَأَ بِالْأَعْلَى مِنْهُمْ وَهُمُ النَّبِيُّونَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالصِّدِّيقِينَ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَسْمِيَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صِدِّيقًا، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولًا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَصَحَّ أَنَّهُ الصِّدِّيقُ وَأَنَّهُ ثَانِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَعْدَهُ أَحَدٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ) أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا [الدَّرَجَةَ «١»] بِطَاعَتِهِمْ بَلْ نَالُوهَا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ. خِلَافًا لِمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّمَا يَنَالُ الْعَبْدُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ. فَلَمَّا امْتَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَكَانَ لا يجوز لا حد أَنْ يُثْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[[سورة النساء (٤): آية ٧١]]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١)

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) هَذَا خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمْرٌ لَهُمْ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَحِمَايَةِ الشَّرْعِ. وَوَجْهُ النَّظْمِ وَالِاتِّصَالِ بِمَا قَبْلُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ طَاعَةَ اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ، أَمَرَ أَهْلَ الطَّاعَةِ بِالْقِيَامِ بِإِحْيَاءِ دِينِهِ وَإِعْلَاءِ دعوته، وأمر هم أَلَّا يَقْتَحِمُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ عَلَى جَهَالَةٍ حَتَّى يَتَحَسَّسُوا إِلَى مَا عِنْدَهُمْ، وَيَعْلَمُوا كَيْفَ يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ، فَذَلِكَ أَثْبَتُ لَهُمْ فَقَالَ: (خُذُوا حِذْرَكُمْ) فَعَلَّمَهُمْ مُبَاشَرَةَ الْحُرُوبِ. وَلَا يُنَافِي هَذَا التَّوَكُّلَ بَلْ هُوَ [مَقَامُ «٢»] عَيْنِ التَّوَكُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ «٣») وَيَأْتِي. وَالْحِذْرُ وَالْحَذَرُ لُغَتَانِ كَالْمِثْلِ وَالْمَثَلُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَكْثَرُ الْكَلَامِ الْحَذَرُ، وَالْحِذْرُ مَسْمُوعٌ أَيْضًا، يُقَالُ: خُذْ حَذَرَكَ، أَيِ احذر. وقيل: خذوا السلاح حذرا، لان بِهِ الْحَذَرُ وَالْحَذَرُ لَا يَدْفَعُ الْقَدَرَ. وَهِيَ:


(١). من ج وط وز، أي الدرجة التي هي المعية مع اللين إلخ بدليل قوله: تالوهما. وفى ان ح وو: لا ينالوا الفضل. ولا يصح.
(٢). في ج وط وز.
(٣). راجع ج ٤ ص ١٨٩