للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى:" قَدَمَ صِدْقٍ" قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ" «١» [الأنبياء: ١٠١]. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَعْمَالًا قَدَّمُوهَا، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ. قَالَ الْوَضَّاحُ:

صَلِّ لِذِي الْعَرْشِ وَاتَّخِذْ قَدَمًا ... تُنْجِيكَ يَوْمَ الْعِثَارِ وَالزَّلَلِ

وَقِيلَ: هُوَ تَقْدِيمُ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْحَشْرِ مِنَ الْقَبْرِ وَفِي إِدْخَالِ الْجَنَّةِ. كَمَا قَالَ: (نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ). وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ السَّعْيِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَكَنَّى عَنْهُ بِالْقَدَمِ كَمَا يُكَنَّى عَنِ الْإِنْعَامِ بِالْيَدِ وَعَنِ الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ. وَأَنْشَدَ حَسَّانُ:

لَنَا الْقَدَمُ الْعُلْيَا إِلَيْكَ وَخَلْفَنَا ... لِأَوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَابِعُ

يُرِيدُ السَّابِقَةَ بِإِخْلَاصِ الطَّاعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ: كُلُّ سَابِقٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَهُوَ عِنْدُ الْعَرَبِ قَدَمٌ، يُقَالُ: لِفُلَانٍ قَدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ، لَهُ عِنْدِي قَدَمُ صِدْقٍ وَقَدَمُ شَرٍّ وَقَدَمُ خَيْرٍ. وَهُوَ مُؤَنَّثٌ وَقَدْ يُذَكَّرُ، يُقَالُ: قَدَمٌ حَسَنٌ وَقَدَمٌ صَالِحَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْقَدَمُ التَّقَدُّمُ فِي الشَّرَفِ، قَالَ الْعَجَّاجُ:

زَلَّ بَنُو الْعَوَّامِ عَنْ آلِ الْحَكَمْ ... وَتَرَكُوا الْمُلْكَ لِمَلِكٍ ذِي قَدَمْ

وَفِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءَ. أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ) يُرِيدُ آخِرَ الأنبياء، كما قال تعالى:" وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ" «٢» [الأحزاب: ٤٠]. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ مُبِينٌ) قَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَالْكُوفِيُّونَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَالْأَعْمَشُ" لَساحِرٌ" نَعْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ" لَسِحْرٌ" نَعْتًا لِلْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى السحر في" البقرة" «٣».

[[سورة يونس (١٠): آية ٣]]

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣)


(١). راجع ج ١١ ص ٣٤٥.
(٢). راجع ج ١٤ ص
(٣). راجع ج ٢ ص ٤٣.