للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) يَعْنِي يَوْمَ الْمِيثَاقِ حِينَ قَالُوا بَلَى. وَيُقَالُ: هَذَا لِلْيَهُودِ وَكَانُوا مُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هَذَا لِلْمُنَافِقِينَ، يُقَالُ «١»: أَكَفَرْتُمْ فِي السِّرِّ «٢» بَعْدَ إِقْرَارِكُمْ فِي الْعَلَانِيَةِ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ" أَمَّا" لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِكَ:" أَمَّا زَيْدٌ فمنطلق، مهما يكن من شي فَزَيْدٌ مُنْطَلِقٌ". وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) هَؤُلَاءِ أَهْلُ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ والوفاء بعهده. (فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أَيْ فِي جَنَّتِهِ وَدَارِ كَرَامَتِهِ خَالِدُونَ بَاقُونَ. جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ وَجَنَّبَنَا طُرُقَ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ، وَوَفَّقَنَا لِطَرِيقِ الَّذِينَ آمنوا وعملوا الصالحات. آمين.

[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٠٨ الى ١٠٩]

تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (تِلْكَ آياتُ اللَّهِ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، يَعْنِي الْقُرْآنَ. (نَتْلُوها عَلَيْكَ) يَعْنِي نُنْزِلُ عَلَيْكَ جِبْرِيلَ فَيَقْرَؤُهَا عَلَيْكَ. (بِالْحَقِّ) أَيْ بِالصِّدْقِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:" تِلْكَ آياتُ اللَّهِ" الْمَذْكُورَةُ حُجَجُ اللَّهِ وَدَلَائِلُهُ. وَقِيلَ:" تِلْكَ" بِمَعْنَى هَذِهِ وَلَكِنَّهَا لَمَّا انْقَضَتْ صَارَتْ كَأَنَّهَا بَعُدَتْ فَقِيلَ" تِلْكَ" وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ" آياتُ اللَّهِ" بَدَلًا مِنْ" تِلْكَ" وَلَا تَكُونُ نَعْتًا، لِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يُنْعَتُ بِالْمُضَافِ. (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُهُمْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ. (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَجْهُ اتِّصَالِ هَذَا بِمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَحْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ، وَصَلَهُ بِذِكْرِ اتِّسَاعِ قُدْرَتِهِ وغناه عن الظلم لكون ما في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ [فِي قَبْضَتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، بَيَّنَ لِعِبَادِهِ أَنَّ جَمِيعَ مَا في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ] «٣» لَهُ حَتَّى يَسْأَلُوهُ وَيَعْبُدُوهُ ولا يعبدوا غيره.


(١). في د وب وهـ: يقول.
(٢). في د وهـ وب: مع.
(٣). الزيادة من نسخ: د.