للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ، يَنْقُلُ الطَّعَامَ إِلَيْهِمَا فَيَزُقُّهُمَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَا الَّذِي أَبْطَأَ بِكَ؟ فَقَالَ الْهُدْهُدَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ بِلْقِيسَ وَعَرْشِهَا وَقَوْمِهَا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّ أُمَّ بِلْقِيسَ جِنِّيَّةٌ مُسْتَنْكَرٌ مِنَ الْعُقُولِ لِتَبَايُنِ الْجِنْسَيْنِ، وَاخْتِلَافِ الطَّبْعَيْنِ، وَتَفَارُقِ الْحِسَّيْنِ «١»، لِأَنَّ الْآدَمِيَّ جُسْمَانِيٌّ وَالْجِنَّ رُوحَانِيٌّ، وَخَلَقَ اللَّهُ الْآدَمِيَّ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَيُمْنَعُ الِامْتِزَاجُ مَعَ هَذَا التَّبَايُنِ، وَيَسْتَحِيلُ التَّنَاسُلُ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ. قُلْتُ: قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا، وَالْعَقْلُ لَا يُحِيلُهُ مَعَ مَا جَاءَ مِنَ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا نُظِرَ فِي أَصْلِ الْخَلْقِ فَأَصْلُهُ الْمَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي التَّنْزِيلِ" وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ تَعَالَى:" لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ" عَلَى مَا يَأْتِي فِي" الرَّحْمَنِ". قَوْلُهُ تَعَالَى: الَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي)

أَيْ بِالشِّرْكِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: أَيْ بِالظَّنِّ الَّذِي تَوَهَّمَتْهُ فِي سُلَيْمَانَ، لِأَنَّهَا لَمَّا أُمِرَتْ بِدُخُولِ الصَّرْحِ حَسِبَتْهُ لُجَّةً، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ يُرِيدُ تَغْرِيقَهَا فِيهِ. فَلَمَّا بَانَ لَهَا أَنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ عَلِمَتْ أَنَّهَا ظَلَمَتْ نَفْسَهَا بِذَلِكَ الظَّنِّ. وَكُسِرَتْ" إِنَّ" لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَفْتَحُهَا فيعمل فيها القول. َ- أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)

. إِذَا سَكَّنْتَ" مَعَ" فَهِيَ حَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى بِلَا اخْتِلَافٍ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ. وَإِذَا فَتَحْتَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ بِمَعْنَى الظَّرْفِ اسْمٌ. وَالْآخَرُ- أَنَّهُ حَرْفٌ خافض مبنى على الفتح، قاله النحاس:

[سورة النمل (٢٧): الآيات ٤٥ الى ٤٧]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧)


(١). في نسخة" الجسمين"