يَسْتَخْرِجُونَ مَا فِي الْأَرْضِ. وَالِاسْتِنْبَاطُ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِخْرَاجُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الِاجْتِهَادِ إِذَا عُدِمَ النص والإجماع كما تقدم. قوله تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظْهَرَ الْخَبَرُ عِنْدَهُ. وَالْكُوفِيُّونَ يَقُولُونَ: رُفِعَ بِلَوْلَا. (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا) فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ لَمْ يَذِعْ وَلَمْ يُفْشِ. وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالطَّبَرِيُّ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ قَالَ: لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِنْبَاطَ الْأَكْثَرُ يَعْرِفُهُ، لِأَنَّهُ اسْتِعْلَامُ خَبَرٍ. وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ الْفَرَّاءُ قَالَ: لِأَنَّ عِلْمَ السَّرَايَا إِذَا ظَهَرَ عَلِمَهُ الْمُسْتَنْبِطُ وَغَيْرُهُ، وَالْإِذَاعَةُ تَكُونُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ. قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْهُ: فَلِذَلِكَ اسْتَحْسَنْتُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْإِذَاعَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذَانَ قَوْلَانِ عَلَى الْمَجَازِ، يُرِيدُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ بِغَيْرِ مَجَازٍ: يَكُونُ الْمَعْنَى وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ بِأَنْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا أَقَامَ فِيكُمُ الْحُجَّةَ لَكَفَرْتُمْ وَأَشْرَكْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ يُوَحِّدُ. وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ- قَالَ الضَّحَّاكُ: الْمَعْنَى لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا، أَيْ إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَمْرٍ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا قَلِيلًا، يَعْنِي الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ قَوْلُهُ (إِلَّا قَلِيلًا) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ). قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، إِذْ لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعَ النَّاسُ كلهم الشيطان.
[[سورة النساء (٤): آية ٨٤]]
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) هَذِهِ الْفَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ هَذَا فَقَاتِلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute