للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَا يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْعَبْدِ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ «١» وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْحَكَمِ «٢» وَإِبْرَاهِيمَ [وَحَمَّادٍ «٣»]. وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ عَلَى طَلَاقِهِ وَحَدِّهِ. وَكُلُّ مَنْ قَالَ حَدُّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ، وَطَلَاقُهُ تَطْلِيقَتَانِ، وَإِيلَاؤُهُ شَهْرَانِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُقَالَ: تَنَاقَضَ فِي قوله (ينكح أربعا) والله أعلم.

[[سورة النساء (٤): آية ٤]]

وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)

فيه عشر مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ) الصَّدُقَاتُ جَمْعٌ، الْوَاحِدَةُ صَدُقَةٌ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَبَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ صُدْقَةٌ وَالْجَمْعُ صُدْقَاتٌ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَسْكَنْتَ. قَالَ الْمَازِنِيُّ: يُقَالُ صِدَاقُ الْمَرْأَةِ [بِالْكَسْرِ «٤»]، وَلَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ. وَحَكَى يَعْقُوبُ وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بِالْفَتْحِ عَنِ النَّحَّاسِ. وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْأَزْوَاجِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ. أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَتَبَرَّعُوا بِإِعْطَاءِ الْمُهُورِ نِحْلَةً مِنْهُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ. وَكَانَ الْوَلِيُّ يَأْخُذُ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَلَا يُعْطِيهَا شَيْئًا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ إِلَيْهِنَّ. قَالَ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الْوَلِيُّ إِذَا زَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ فِي الْعِشْرَةِ «٥» لَمْ يُعْطِهَا مِنْ مَهْرِهَا كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَتْ غَرِيبَةً حَمَلَهَا عَلَى بَعِيرٍ إِلَى زَوْجِهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ الْبَعِيرِ، فَنَزَلَ: (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً). وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ: زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمُتَشَاغِرُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ امْرَأَةً بِأُخْرَى، فَأُمِرُوا أَنْ يَضْرِبُوا الْمُهُورَ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَإِنَّ الضَّمَائِرَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ بِجُمْلَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ فَهُمُ الْمُرَادُ، لِأَنَّهُ قال:


(١). في ب: الشافعي. في ا: الحسن.
(٢). في ط وج.
(٣). من ج وط.
(٤). من النحاس.
(٥). في ج وب وط: في العشيرة. [ ..... ]