الثانية عشرة- قوله تعالى: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) أَيْ أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ يَمْنَعُهُ مِنَ الْقَبَائِحِ. رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ النَّصَارَى وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ:" أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" قَالَ: حُرِقَ الْكَاذِبُ، فَسَقَطَتْ فِي بَيْتِهِ شَرَارَةٌ مِنْ نَارٍ وَهُوَ نَائِمٌ فَتَعَلَّقَتْ بِالْبَيْتِ فَأَحْرَقَتْهُ وَأَحْرَقَتْ ذَلِكَ الْكَافِرَ مَعَهُ، فَكَانَتْ عِبْرَةً لِلْخَلْقِ" وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ" وَقَدْ كَانُوا يُمْهَلُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْتَفْتِحُوا، فَلَا يُؤَخَّرُوا بَعْدَ ذَلِكَ، ذكره ابن العربي.
[سورة المائدة (٥): الآيات ٥٩ الى ٦٠]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ- فِيهِمْ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ- إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَقَالَ: نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ إِلَى قَوْلِهِ:" وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ")] البقرة: ١٣٣]، فَلَمَّا ذُكِرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَهْلَ دِينٍ أَقَلَّ حَظًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْكُمْ وَلَا دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِّهِ الْآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا، وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِمَا سَبَقَهَا مِنْ إِنْكَارِهِمِ الْأَذَانَ، فَهُوَ جَامِعٌ لِلشَّهَادَةِ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَلِمُحَمَّدٍ بِالنُّبُوَّةِ، وَالْمُتَنَاقِضُ دِينُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ لَا دِينَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْكُلِّ. وَيَجُوزُ إدغام اللام في التاء لقربها منها. و" تَنْقِمُونَ" مَعْنَاهُ تَسْخَطُونَ، وَقِيلَ: تَكْرَهُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute