للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: لَا يُعْتِقُ أَحَدٌ سَائِبَةً، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا عِنْدَ كُلِّ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ، إِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ عِتْقِ السَّائِبَةِ لَا غَيْرَ، فَإِنْ وَقَعَ نَفَذَ وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَكْرَهُ عِتْقَ السَّائِبَةِ وَأَنْهَى عَنْهُ، فَإِنْ وَقَعَ نَفَذَ وَكَانَ مِيرَاثًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا بَأْسَ بِعِتْقِ السَّائِبَةِ ابْتِدَاءً، ذَهَبَ إِلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَلَهُ احْتَجَّ إِسْمَاعِيلُ] الْقَاضِي [«١» ابْنُ إِسْحَاقَ وَإِيَّاهُ تَقَلَّدَ. وَمِنْ حُجَّتِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ عِتْقَ السَّائِبَةَ مُسْتَفِيضٌ بِالْمَدِينَةِ لَا يُنْكِرُهُ عَالِمٌ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنَ السَّلَفِ أعتقوا سائبة. وروي ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِمْ. قُلْتُ: أَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ الْبَصْرِيُّ التَّمِيمِيُّ «٢» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِمَّنْ أُعْتِقَ سَائِبَةً، أَعْتَقَتْهُ مَوْلَاةٌ لَهُ مِنْ بَنِي رِيَاحٍ سَائِبَةً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَطَافَتْ بِهِ عَلَى حِلَقِ الْمَسْجِدِ، وَاسْمُهُ رُفَيْعُ بْنُ مِهْرَانَ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: لَا سَائِبَةَ الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] مَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً فَوَلَاؤُهُ لَهُ [وَبِقَوْلِهِ:] إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ [. فَنَفَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِغَيْرٍ مُعْتِقٍ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ

" وَبِالْحَدِيثِ] لَا سَائِبَةَ فِي الْإِسْلَامِ [وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو قَيْسٍ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنِّي أَعْتَقْتُ غُلَامًا لِي سَائِبَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُسَيِّبُونَ، إِنَّمَا كَانَتْ تُسَيِّبُ الْجَاهِلِيَّةُ، أَنْتَ وَارِثُهُ وَوَلِيُّ نعمته.

[[سورة المائدة (٥): آية ١٠٤]]

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤)


(١). من ك.
(٢). في الأصول: التيمي. والصواب ما أثبت.