وَ" يَسْتَكْبِرُونَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى خَبَرِ كَانَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ إِنَّ، وَكَانَ مُلْغَاةٌ. وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ عِنْدَ مَوْتِهِ وَاجْتِمَاعِ قُرَيْشٍ" قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ" أَبَوْا وَأَنِفُوا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَذَكَرَ قَوْمًا اسْتَكْبَرُوا فَقَالَ:" إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ" وَقَالَ تَعَالَى:" إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها" [الفتح: ٢٦] وَهِيَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) اسْتَكْبَرَ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ يَوْمَ كَاتَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ، ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الْبَيْهَقِيُّ، والذي قبله القشيري.
[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٣٦ الى ٤٠]
وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ" أَيْ لِقَوْلِ شَاعِرٍ مَجْنُونٍ، فَرَدَّ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:" بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ" يَعْنِي الْقُرْآنَ وَالتَّوْحِيدَ" وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ" فيما جاءوا به من التوحيد." إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ" الْأَصْلُ لَذَائِقُونَ فَحُذِفَتِ النُّونُ اسْتِخْفَافًا وَخُفِضَتْ لِلْإِضَافَةِ. وَيَجُوزُ النَّصْبُ كَمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
فَأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ... وَلَا ذَاكِرِ اللَّهِ إِلَّا قَلِيلَا
وَأَجَازَ سِيبَوَيْهِ" وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ" عَلَى هَذَا." وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" أَيْ إِلَّا بِمَا عَمِلْتُمْ من الشرك" إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ" لاستثناء مِمَّنْ يَذُوقُ الْعَذَابَ. وَقِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ" الْمُخْلَصِينَ" بِفَتْحِ اللَّامِ، يَعْنِي الَّذِينَ أَخْلَصَهُمُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ وَدِينِهِ وَوِلَايَتِهِ. الْبَاقُونَ بِكَسْرِ اللَّامِ، أَيِ الَّذِينَ أَخْلَصُوا لِلَّهِ الْعِبَادَةَ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ذَائِقُو الْعَذَابِ لَكِنْ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ لَا يَذُوقُونَ الْعَذَابَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute