قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ" أَيْ صَدَّقَ. وَالْمُرَادُ بَنُو مُقَرِّنٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ." قُرُباتٍ" جَمْعُ قُرْبَةٍ، وَهِيَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْجَمْعُ قُرَبُ وَقُرُبَاتٌ وَقَرَبَاتٌ وَقُرْبَاتٌ، حَكَاهُ النَّحَّاسُ. وَالْقُرُبَاتُ (بِالضَّمِّ) مَا تُقُرِّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، تَقُولُ مِنْهُ: قَرَّبْتُ لِلَّهِ قُرْبَانًا. وَالْقِرْبَةُ بِكَسْرِ الْقَافِ مَا يُسْتَقَى فِيهِ الْمَاءُ، وَالْجَمْعُ فِي أَدْنَى الْعَدَدِ قُرُبَاتٌ وَقَرَبَاتٌ وَقُرْبَاتٌ، وَلِلْكَثِيرِ قُرُبٌ. وَكَذَلِكَ جَمْعُ كُلِّ مَا كَانَ عَلَى فِعْلَةٍ، مِثْلِ سِدْرَةٍ وَفِقْرَةِ، لَكَ أَنْ تَفْتَحَ الْعَيْنَ وَتَكْسِرَ وتسكن، حكاها الْجَوْهَرِيُّ. وَقَرَأَ نَافِعٌ فِي رِوَايَةِ وَرْشٍ" قُرُبَةٍ" بِضَمِّ الرَّاءِ وَهِيَ الْأَصْلُ. وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا تَخْفِيفًا، مِثْلَ كُتُبٍ وَرُسُلٍ، وَلَا خِلَافَ فِي قُرُبَاتٍ. وَحَكَى ابْنُ سَعْدَانَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْقَعْقَاعِ قَرَأَ" أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ". وَمَعْنَى" وَصَلَواتِ الرَّسُولِ" اسْتِغْفَارُهُ وَدُعَاؤُهُ. وَالصَّلَاةُ تَقَعُ عَلَى ضُرُوبٍ، فالصلاة من الله عز وجل الرَّحْمَةُ وَالْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ" «١» [الأحزاب: ٤٣] وَالصَّلَاةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ، وَكَذَلِكَ هِيَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ:" وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ" [التوبة: ١٠٣] أَيْ دُعَاؤُكَ تَثْبِيتٌ لَهُمْ وَطُمَأْنِينَةٌ. (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) أَيْ تُقَرِّبُهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، يعني نفقاتهم.
[[سورة التوبة (٩): آية ١٠٠]]
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الاولى- لما ذكر عز وجل أَصْنَافَ الْأَعْرَابِ ذَكَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَبَيَّنَ أَنَّ مِنْهُمُ السَّابِقِينَ إِلَى الْهِجْرَةِ وَأَنَّ مِنْهُمُ التَّابِعِينَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عَدَدِ طَبَقَاتِهِمْ وَأَصْنَافِهِمْ. وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ طَرَفًا نُبَيِّنُ الْغَرَضَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرَوَى عمر ابن الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَرَأَ" وَالْأَنْصارِ" رَفْعًا عَطْفًا عَلَى السابقين. قال الأخفش: الخفض
(١). راجع ج ١٤ ص
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute