للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَمْدٍ، وَالْإِثْمُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ عَمْدٍ. وَقِيلَ: الْخَطِيئَةُ مَا لَمْ تَتَعَمَّدْهُ [خَاصَّةً «١»] كَالْقَتْلِ بِالْخَطَأِ. وَقِيلَ: الْخَطِيئَةُ الصَّغِيرَةُ، وَالْإِثْمُ الْكَبِيرَةُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ لَفْظُهَا عَامٌّ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ أَهْلُ النَّازِلَةِ وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً)

قد تقدم اسم البرئ [فِي الْبَقَرَةِ «٢»]. وَالْهَاءُ فِي (بِهِ)

لِلْإِثْمِ أَوْ لِلْخَطِيئَةِ. لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْإِثْمُ، أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا. وَقِيلَ: تَرْجِعُ إِلَى الْكَسْبِ. (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)

تَشْبِيهٌ، إِذِ الذُّنُوبُ ثِقَلٌ وَوِزْرٌ فَهِيَ كَالْمَحْمُولَاتِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ «٣» (. وَالْبُهْتَانُ مِنَ الْبَهْتِ «٤»، وَهُوَ أَنْ تَسْتَقْبِلَ أَخَاكَ بِأَنْ تَقْذِفَهُ بِذَنْبٍ وَهُوَ منه برئ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:) أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:) ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ (. قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ:) إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ (. وَهَذَا نَصٌّ، فَرَمْيُ البرئ بَهْتٌ لَهُ. يُقَالُ: بَهَتُّهُ بَهْتًا وَبَهَتًا وَبُهْتَانًا إِذَا قَالَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ. وَهُوَ بَهَّاتٌ وَالْمَقُولُ لَهُ مَبْهُوتٌ. وَيُقَالُ: بَهِتَ الرَّجُلُ (بِالْكَسْرِ) إِذَا دَهَشَ وَتَحَيَّرَ. وَبَهُتَ (بِالضَّمِّ) مِثْلُهُ، وَأَفْصَحُ مِنْهُمَا بُهِتَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ «٥») لِأَنَّهُ يُقَالُ: رَجُلٌ مَبْهُوتٌ «٦» وَلَا يُقَالُ: بَاهِتٌ وَلَا بَهِيتٌ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ.

[[سورة النساء (٤): آية ١١٣]]

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)

قوله تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ)

ما بعد (لَوْلا)

مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لَا يظهر، والمعنى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ)

بِأَنْ نَبَّهَكَ عَلَى الْحَقِّ، وَقِيلَ: بِالنُّبُوءَةِ وَالْعِصْمَةِ. (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ)

عن الحق، لأنهم


(١). كذا في اوفى ج وز وط وى: ما لم يتعمد خاصة. وفى ح: ما لم تتعمد.
(٢). من ج. راجع ج ١ ص ٤٠٢.
(٣). راجع ج ١٣ ص ٣٣٠.
(٤). البهت الدهش والتحير من فظاعة ما رمى به من كذب.
(٥). راجع ج ٣ ص ٢٨٦. [ ..... ]
(٦). في ج: بهوت.