للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِيهِمَا عَلَى الْقَطْعِ، أَيْ فَهُوَ يَغْفِرُ وَيُعَذِّبُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَعْرَجِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَعَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى إِضْمَارِ" أَنْ". وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَيُضاعِفَهُ لَهُ" وَقَدْ تَقَدَّمَ «١». وَالْعَطْفُ عَلَى اللَّفْظِ أَجْوَدُ لِلْمُشَاكَلَةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

ومتى مائع مِنْكَ كَلَامًا ... يَتَكَلَّمْ فَيُجِبْكَ بِعَقْلِ

قَالَ النَّحَّاسُ: وَرُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ" يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ يَغْفِرْ" بِغَيْرِ فَاءٍ عَلَى الْبَدَلِ. ابْنُ عَطِيَّةَ: وَبِهَا قَرَأَ الْجُعْفِيُّ وَخَلَّادٌ. وَرُوِيَ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: هِيَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" يُحاسِبْكُمْ" وَهِيَ تَفْسِيرُ الْمُحَاسَبَةِ، وَهَذَا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

رُوَيْدًا بَنِي شَيْبَانَ بَعْضَ وَعِيدِكُمْ ... تُلَاقُوا غَدًا خَيْلِي عَلَى سَفَوَانِ

تُلَاقُوا جِيَادًا لَا تَحِيدُ عَنِ الْوَغَى ... إِذَا مَا غَدَتْ فِي الْمَأْزِقِ الْمُتَدَانِي

فَهَذَا عَلَى الْبَدَلِ. وَكَرَّرَ الشَّاعِرُ الْفِعْلَ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِيمَا يَلِيهِ مِنَ الْقَوْلِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَأَجْوَدُ مِنَ الْجَزْمِ لَوْ كَانَ بِلَا فَاءٍ الرَّفْعُ، يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خير نار عندها خير موقد

[سورة البقرة (٢): الآيات ٢٨٥ الى ٢٨٦]

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)


(١). راجع ص ٢٣٧ من هذا الجزء.