قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) فَصَّلَ مَا أَجْمَلَ مِنْ إِرْسَالِ الرُّسُلِ بِالْكُتُبِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلَ النُّبُوَّةَ فِي نَسْلِهِمَا (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) أَيْ جَعَلْنَا بَعْضَ ذُرِّيَّتِهِمَا الْأَنْبِيَاءَ، وَبَعْضَهُمْ أُمَمًا يَتْلُونَ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ مِنَ السَّمَاءِ: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكِتَابُ الْخَطُّ بِالْقَلَمِ (فَمِنْهُمْ) أَيْ مَنِ ائْتَمَّ بِإِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ (مُهْتَدٍ). وَقِيلَ: (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) أَيْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُهْتَدُونَ. (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) كَافِرُونَ خَارِجُونَ عَنِ الطَّاعَةِ.
[[سورة الحديد (٥٧): آية ٢٧]]
ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ قَفَّيْنا) أَيْ أَتْبَعْنَا (عَلى آثارِهِمْ) أَيْ عَلَى آثَارِ الذُّرِّيَّةِ. وَقِيلَ: عَلَى آثَارِ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ (بِرُسُلِنا) مُوسَى وَإِلْيَاسَ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَيُونُسَ وَغَيْرِهِمْ (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) وَهُوَ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ اشْتِقَاقُهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) «١». الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) عَلَى دِينِهِ يَعْنِي الْحَوَارِيِّينَ وَأَتْبَاعَهُمْ (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) أَيْ مَوَدَّةً فَكَانَ يُوَادُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقِيلَ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ أُمِرُوا فِي الْإِنْجِيلِ بِالصُّلْحِ وَتَرْكِ إِيذَاءِ النَّاسِ وَأَلَانَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْيَهُودِ الَّذِينَ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَالرَّأْفَةُ اللِّينُ، وَالرَّحْمَةُ الشَّفَقَةُ. وَقِيلَ: الرَّأْفَةُ تَخْفِيفُ الْكَلِّ، وَالرَّحْمَةُ تَحْمُّلُ الثِّقَلِ. وَقِيلَ: الرَّأْفَةُ أَشَدُّ الرَّحْمَةِ. وَتَمَّ الْكَلَامُ. ثم قال:
(١). راجع ج ٤ ص ٥
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute