للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعَاشِرَةُ- إِذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ حِلًّا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ الْحَلَالُ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وأبو ثور: لا شي عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، لِأَنَّ الْمُحْرِمَ الْتَزَمَ بِإِحْرَامِهِ تَرْكَ التَّعَرُّضِ، فَيَضْمَنُ بِالدَّلَالَةِ كَالْمُودَعِ إِذَا دَلَّ سَارِقًا عَلَى سَرِقَةٍ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُحْرِمِ إِذَا دَلَّ مُحْرِمًا آخَرَ، فَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ وَأَشْهَبُ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءً. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْقَاتِلِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً" فَعَلَّقَ وُجُوبَ الْجَزَاءِ بِالْقَتْلِ، فَدَلَّ عَلَى انْتِفَائِهِ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ دَالٌّ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بِدَلَالَتِهِ غُرْمٌ كَمَا لَوْ دَلَّ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ. وَتَعَلَّقَ الْكُوفِيُّونَ وَأَشْهَبُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: [هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ]؟ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- إِذَا كَانَتْ شَجَرَةٌ نَابِتَةً فِي الْحِلِّ وَفَرْعُهَا فِي الْحَرَمِ فَأُصِيبَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الصَّيْدِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ، لِأَنَّهُ أُخِذَ فِي الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الْحَرَمِ وَفَرْعُهَا فِي الْحِلِّ فَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَا أُخِذَ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْجَزَاءُ نَظَرًا إِلَى الْأَصْلِ، وَنَفْيُهُ نَظَرًا إِلَى الْفَرْعِ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) تَشْدِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَقِبَ هَذَا التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، ثُمَّ ذَكَّرَ بِأَمْرِ الْحَشْرِ وَالْقِيَامَةِ مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[[سورة المائدة (٥): آية ٩٧]]

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧)

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ) جَعَلَ هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَدْ سُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ كَعْبَةً لِأَنَّهَا مُرَبَّعَةٌ وَأَكْثَرُ بُيُوتِ الْعَرَبِ مُدَوَّرَةٌ وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ كَعْبَةٌ لِنُتُوئِهَا