أشبه بمعنى الآية. وقرى" فَمَا وَهْنُوا وَمَا ضَعْفُوا" بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَالْعَيْنِ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ" ضَعَفُوا" بِفَتْحِ الْعَيْنِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَوْ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ بِأَنَّهُمْ صَبَرُوا وَلَمْ يَفِرُّوا وَوَطَّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ، وَاسْتَغْفَرُوا لِيَكُونَ مَوْتُهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ إِنْ رُزِقُوا الشَّهَادَةَ، وَدَعَوْا فِي الثَّبَاتِ حَتَّى لَا يَنْهَزِمُوا، وَبِالنَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ. وَخَصُّوا الْأَقْدَامَ بِالثَّبَاتِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْجَوَارِحِ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا. يَقُولُ: فَهَلَّا فَعَلْتُمْ وَقُلْتُمْ مِثْلَ ذَلِكَ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ؟ فَأَجَابَ دُعَاءَهُمْ وَأَعْطَاهُمُ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ وَالْغَنِيمَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْمَغْفِرَةَ فِي الْآخِرَةِ إِذَا صَارُوا إِلَيْهَا. وَهَكَذَا يَفْعَلُ اللَّهُ مَعَ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ التَّائِبِينَ الصَّادِقِينَ النَّاصِرِينَ لِدِينِهِ، الثَّابِتِينَ عِنْدَ لِقَاءِ عَدُوِّهِ بِوَعْدِهِ الْحَقِّ، وَقَوْلِهِ الصِّدْقِ. (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) يَعْنِي الصَّابِرِينَ عَلَى الْجِهَادِ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ" وَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ" بِالرَّفْعِ، جَعَلَ الْقَوْلَ اسْمًا لَكَانَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ إِلَّا قَوْلَهُمْ: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) وَمَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ جَعَلَ الْقَوْلَ خَبَرَ كَانَ. وَاسْمُهَا" إِلَّا أَنْ قالُوا". رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا يَعْنِي الصَّغَائِرَ (وَإِسْرافَنا) يَعْنِي الْكَبَائِرَ. وَالْإِسْرَافُ: الْإِفْرَاطُ فِي الشَّيْءِ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَصَحِيحِ السُّنَّةِ مِنِ الدُّعَاءِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهُ، وَلَا يَقُولَ أَخْتَارُ كَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اخْتَارَ لِنَبِيِّهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يَدْعُونَ.
[[سورة آل عمران (٣): آية ١٤٨]]
فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَآتاهُمُ اللَّهُ) أَيْ أَعْطَاهُمْ (ثَوابَ الدُّنْيا)، يَعْنِي النَّصْرَ وَالظَّفَرَ عَلَى عَدُوِّهِمْ. (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) يَعْنِي الْجَنَّةَ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ" فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ" مِنَ الثَّوَابِ. (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) " تقدم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute