للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْكِسَائِيُّ (وَمَنْ أَزْدَقُ) بِالزَّايِ. الْبَاقُونَ: بِالصَّادِ، وَأَصْلُهُ الصَّادُ إِلَّا أَنَّ لِقُرْبِ مَخْرَجِهَا جُعِلَ مَكَانَهَا زاي.

[[سورة النساء (٤): آية ٨٨]]

فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) (فِئَتَيْنِ) أَيْ فِرْقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ فَرَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَقْتُلُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا، فَنَزَلَتْ (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ). وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فَزَادَ: وَقَالَ: (إِنَّهَا طَيْبَةُ) وَقَالَ: (إِنَّهَا «١» تَنْفِي الْخَبِيثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:) إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ (. وَالْمَعْنِيُّ بِالْمُنَافِقِينَ هُنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ خَذَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَرَجَعُوا بِعَسْكَرِهِمْ بَعْدَ أَنْ خَرَجُوا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ «٢»). وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ قَوْمٌ بِمَكَّةَ آمَنُوا وَتَرَكُوا الْهِجْرَةَ، قَالَ الضَّحَّاكُ: وَقَالُوا إِنْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ عَرَفَنَا، وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا. فَصَارَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمْ فِئَتَيْنِ قَوْمٌ يَتَوَلَّوْنَهُمْ وَقَوْمٌ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ). وَذَكَرَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ، فَأَصَابَهُمْ وَبَاءُ الْمَدِينَةِ وَحُمَّاهَا، فَأُرْكِسُوا فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ رَجَعْتُمْ؟ فَقَالُوا: أَصَابَنَا وَبَاءُ الْمَدِينَةِ فَاجْتَوَيْنَاهَا «٣»، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَافَقُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُنَافِقُوا، هُمْ مُسْلِمُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) الْآيَةَ. حَتَّى جَاءُوا الْمَدِينَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُهَاجِرُونَ، ثُمَّ ارْتَدُّوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


(١). في ج، ط، ى: والترمذي. [ ..... ]
(٢). راجع ج ٤ ص ٢٣٩ فيما بعد.
(٣). اجتويت البلد: إذا كرهت المقام فيها وان كنت في نعمة.