للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ عِنْدَ الرُّكْنِ مَلَكًا قَائِمًا مُنْذُ خَلَقَ الله السموات وَالْأَرْضَ يَقُولُ آمِينَ، فَقُولُوا:" رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ" وسيل عَطَاءٌ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ عَطَاءٌ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وُكِّلَ بِهِ سَبْعُونَ مَلَكًا فَمَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالُوا آمِينَ) الْحَدِيثَ. خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي السُّنَنِ، وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ مُسْنَدًا فِي [الْحَجِّ] إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

[[سورة البقرة (٢): آية ٢٠٢]]

أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى:" أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا" هَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي فَرِيقِ الْإِسْلَامِ، أَيْ لَهُمْ ثَوَابُ الْحَجِّ أَوْ ثَوَابُ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِ عِبَادَةٌ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ" أُولئِكَ" إِلَى الْفَرِيقَيْنِ، فَلِلْمُؤْمِنِ ثَوَابُ عَمَلِهِ وَدُعَائِهِ، وَلِلْكَافِرِ عِقَابُ شِرْكِهِ وَقِصَرِ نَظَرِهِ عَلَى الدُّنْيَا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تعالى:" وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا «١» عَمِلُوا" [الانعام: ١٣٢]. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ" مِنْ سَرُعَ يَسْرُعُ- مِثْلُ عَظُمَ يَعْظُمُ- سِرْعًا وَسُرْعَةً، فَهُوَ سَرِيعٌ." الْحِسَابُ" مَصْدَرٌ كَالْمُحَاسَبَةِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْمَحْسُوبُ حِسَابًا. وَالْحِسَابُ الْعَدُّ: يُقَالُ: حَسَبَ يَحْسُبُ حِسَابًا وَحِسَابَةً وَحُسْبَانًا وَحِسْبَانًا وَحَسْبًا، أَيْ عَدَّ، وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:

يَا جُمْلٌ أُسْقَاكَ «٢» بِلَا حِسَابَهْ ... سُقْيَا مَلِيكٍ حَسَنِ الرِّبَابَهْ «٣»

قَتَلْتِنِي بِالدَّلِّ والخلابة


(١). راجع ج ٧ ص ٨٧.
(٢). هكذا أورده الجوهري في الصحاح، وهى رواية الأصول. وفى اللسان:" وصواب إنشاده: يا جمل أسقيت" أي أسقيت بلا حساب ولا هنداز.
(٣). في الأصول:" الرياسة". والتصويب عن الصحاح واللسان. والرواية (بالكسر): القيام على الشيء بإصلاحه وتربية. والخلابة (بالكسر): أن تخلب المرأة قلب الرجل بألطف القول وأعذبه.