للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاسِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ مَعَ أَهْلِهِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَرُبَّمَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَالْآخَرُ فِي النَّارِ، فَبِهَذَا انْقَطَعَ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْخَلْقِ وَبَقِيَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (زَوْجَاتِي فِي الدُّنْيَا هُنَّ زَوْجَاتِي فِي الْآخِرَةِ). وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ إِلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي فَإِنَّهُ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). فَرْعٌ- فَأَمَّا زَوْجَاتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ فِي حَيَاتِهِ مِثْلُ الْكَلْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَهَلْ كَانَ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ نِكَاحُهُنَّ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْكَلْبِيَّةَ الَّتِي فَارَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي تَزَوَّجَهَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: الَّذِي تَزَوَّجَهَا مُهَاجِرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إجماع. الخامسة عشرة- قوله تعالى: (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً) يَعْنِي أَذِيَّةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ نِكَاحَ أَزْوَاجِهِ فَجُعِلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَلَا ذَنْبَ أَعْظَمُ مِنْهُ. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- قَدْ بَيَّنَّا سَبَبَ نُزُولِ الْحِجَابِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَوْلِ عُمَرَ، وَكَانَ يَقُولُ لِسَوْدَةَ إِذَا خَرَجَتْ وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً: قَدْ رَأَيْنَاكِ يَا سَوْدَةَ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. وَلَا بُعْدَ فِي نُزُولِ الْآيَةِ عِنْدَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ كُلِّهَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- بَيْدَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ قَالَ: لَا يَشْهَدُ جِنَازَتَهَا إِلَّا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، مُرَاعَاةً لِلْحِجَابِ الَّذِي نَزَلَ بِسَبَبِهَا. فَدَلَّتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ عَلَى سِتْرِهَا فِي النَّعْشِ فِي الْقُبَّةِ، وَأَعْلَمَتْهُ أَنَّهَا رَأَتْ ذَلِكَ فِي بِلَادِ الْحَبَشَةِ فَصَنَعَهُ عُمَرُ. وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ صُنِعَ فِي جِنَازَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[[سورة الأحزاب (٣٣): آية ٥٤]]

إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤)

الْبَارِئُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالِمٌ بِمَا بَدَا وَمَا خَفِيَ وَمَا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَاضٍ تَقَضَّى، وَلَا مُسْتَقْبَلٍ يَأْتِي. وَهَذَا عَلَى الْعُمُومِ تَمَدُّحٌ بِهِ، وَهُوَ أَهْلُ الْمَدْحِ وَالْحَمْدِ. وَالْمُرَادُ به ها هنا التَّوْبِيخُ وَالْوَعِيدُ لِمَنْ تَقَدَّمَ التَّعْرِيضُ بِهِ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، مِمَّنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:" ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ"، وَمَنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ:" وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ