للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعِلْمِي بِأَسْدَامِ الْمِيَاهِ فَلَمْ تَزَلْ ... قَلَائِصُ تَخْدِي فِي طَرِيقٍ طَلَائِحُ

وَأَنِّي إِذَا مَلَّتْ رِكَابِي مُنَاخَهَا ... فَإِنِّي عَلَى حَظِّي مِنَ الْأَمْرِ جَامِحُ «١»

إِلَّا أَنَّ قِرَاءَةَ الْعَامَّةِ" فَأَنَّ" بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. فَقَالَ الْخَلِيلُ أَيْضًا وَسِيبَوَيْهِ: إِنَّ" أَنَّ" الثَّانِيَةَ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْأُولَى. وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَرْدُودٌ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مَا قَالَهُ الْجَرْمِيُّ، قَالَ: إِنَّ الثَّانِيَةُ مُكَرَّرَةٌ لِلتَّوْكِيدِ لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ، وَنَظِيرُهُ" وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ" «٢» [النمل: ٥]. وَكَذَا" فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها" «٣» [الحشر: ١٧]. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْمَعْنَى فَوُجُوبُ النَّارِ لَهُ. وَأَنْكَرَهُ الْمُبَرِّدُ وَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ" أَنَّ" الْمَفْتُوحَةَ الْمُشَدَّدَةَ لَا يُبْتَدَأُ بِهَا وَيُضْمَرُ الْخَبَرُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: الْمَعْنَى فَالْوَاجِبُ أَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ فَلَهُ أَنَّ لَهُ نار جهنم. فإن مَرْفُوعَةٌ بِالِاسْتِقْرَارِ عَلَى إِضْمَارِ الْمَجْرُورِ بَيْنَ الْفَاءِ وأن.

[[سورة التوبة (٩): آية ٦٤]]

يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (٦٤)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ) خَبَرٌ وَلَيْسَ بِأَمْرٍ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ أَنَّ مَا بَعْدَهُ" إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ" لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا عِنَادًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ وَاللَّهِ وَدِدْتُ لَوْ أَنِّي قُدِّمْتُ فَجُلِدْتُ مائة ولا ينزل فينا شي يَفْضَحُنَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ." يَحْذَرُ" أَيْ يَتَحَرَّزُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لِيَحْذَرْ، فَهُوَ أَمْرٌ، كَمَا يُقَالُ: يفعل ذلك.


(١). البيتان لابن مقبل. والشاهد فيهما كسر (إن) الثانية. والاسدام: المياه المتغيرة لقلة الوارد، واحد ها سدم. وتخدي: تسرع. والطلامح المعيبة لطول السفر. ومعنى (ملت ركابي مناخها): توالي سفرها وأناخها فيه وارتحالها. والجامح: الماضي على وجهه. أي لا يكسرني طول السفر ولكني أمضى قدما لما أرجوه من الحظ في أمري. (عن شرح الشواهد). [ ..... ]
(٢). راجع ج ١٣ ص ١٥٤ فما بعد.
(٣). راجع ج ١٨ ص ٣٧.