للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ) شَرْطٌ وَجَوَابُهُ. وَالْخَيْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَالُ، لِأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَنَ بِذِكْرِ الْإِنْفَاقِ، فَهَذِهِ الْقَرِينَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَالُ، وَمَتَى لَمْ تَقْتَرِنْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَالُ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَالِ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا «١» " وَقَوْلِهِ:" مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ «٢» ". إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا تَحَرُّزٌ مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ: كُلُّ خَيْرٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الْمَالُ. وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَانَ يَصْنَعُ كَثِيرًا مِنَ الْمَعْرُوفِ ثُمَّ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ مَعَ أَحَدٍ خَيْرًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ: إِنَّمَا فَعَلْتُ مَعَ نَفْسِي، وَيَتْلُو" وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ". ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُعْتَدَّ بِقَبُولِهَا إِنَّمَا هِيَ مَا كَانَ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ. وَ" ابْتِغاءَ" هُوَ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ «٣». وَقِيلَ: إِنَّهُ شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُنْفِقُونَ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ، فَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّفْضِيلِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ هُوَ اشْتِرَاطٌ عَلَيْهِمْ، وَيَتَنَاوَلُ الِاشْتِرَاطُ غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ:" إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ «٤» ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) " يُوَفَّ إِلَيْكُمْ" تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِقَوْلِهِ:" وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ" وَأَنَّ ثَوَابَ الْإِنْفَاقِ يُوَفَّى إِلَى الْمُنْفِقِينَ وَلَا يُبْخَسُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَخْسُ ظلما لهم.

[[سورة البقرة (٢): آية ٢٧٣]]

لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)

فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِلْفُقَراءِ) اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ" وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ" وَقِيلَ: بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْإِنْفَاقُ أَوِ الصَّدَقَةُ لِلْفُقَرَاءِ. قَالَ السُّدِّيُّ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: المراد بهؤلاء


(١). راجع ج ١٣ ص ٢١.
(٢). راجع ج ٢٠ ص ١٥٠.
(٣). كما في السمين والبحر. وفى الأصول كلها: مفعول به. وليس بشيء. [ ..... ]
(٤). رواية البخاري: في فم امرأتك.