فِي يَوْمِ بَدْرٍ، فَنَزَلُوا عِنْدَ أُحُدٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي بِقَنَاةٍ مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ، يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، عَلَى رَأْسِ أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، فَأَقَامُوا هُنَالِكَ يَوْمَ الْخَمِيسَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ أَنَّ فِي سَيْفِهِ ثُلْمَةً، وَأَنَّ بَقَرًا لَهُ تُذْبَحُ، وَأَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَتَأَوَّلَهَا أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقْتَلُونَ، وَأَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُصَابُ، وَأَنَّ الدِّرْعَ الْحَصِينَةَ الْمَدِينَةُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ مِنْ تِلْكَ الْغَزَاةِ. وَأَصْلُ التَّبَوُّءِ اتِّخَاذُ الْمَنْزِلِ، بَوَّأْتُهُ مَنْزِلًا إِذَا أسكنته إياه، ومنه قول عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) أَيْ لِيَتَّخِذِ فِيهَا مَنْزِلًا. فَمَعْنَى" تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ" تَتَّخِذُ لَهُمْ مَصَافَّ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا وَكَأَنَّ ضَبَّةَ سَيْفِي انْكَسَرَتْ فَأَوَّلْتُ أَنِّي أَقْتُلُ كَبْشَ الْقَوْمِ وَأَوَّلْتُ كَسْرَ ضَبَّةِ سَيْفِي قَتْلَ رَجُلٍ مِنْ عِتْرَتِي) فَقُتِلَ حَمْزَةُ وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةَ، وَكَانَ صَاحِبَ اللِّوَاءِ. وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: وَكَانَ حَامِلَ لِوَاءِ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أَنَا عَاصِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَا مَعِي، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو سَعِيدِ ابن عُثْمَانَ اللَّخْمِيِّ: هَلْ لَكَ يَا عَاصِمُ فِي الْمُبَارَزَةِ؟ قَالَ نَعَمْ، فَبَدَرَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ. فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ طَلْحَةَ حَتَّى وَقَعَ السَّيْفُ فِي لِحْيَتِهِ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ قَتْلُ صَاحِبِ اللِّوَاءِ «١» تَصْدِيقًا لِرُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كأني مردف كبشا).
[[سورة آل عمران (٣): آية ١٢٢]]
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢)
الْعَامِلُ فِي إذ" تَبُوءَ" أَوْ" سَمِيعٌ عَلِيمٌ". وَالطَّائِفَتَانِ: بَنُو سَلِمَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَبَنُو حَارِثَةَ مِنَ الْأَوْسِ، وَكَانَا جَنَاحَيِ الْعَسْكَرِ يَوْمَ أُحُدٍ. وَمَعْنَى (أَنْ تَفْشَلا) أَنْ تَجْبُنَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما" قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ: بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلِمَةَ، وَمَا نُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَاللَّهُ وَلِيُّهُما". وَقِيلَ:
(١). في ب وهـ وح وز: صاحب لواء المشركين. ما أثبتناه من د.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute