قَوْلُهُ تَعَالَى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) يَعْنِي الْجَنَّةَ. وَقَالَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ لَهَا وَالتَّفْخِيمِ لِشَأْنِهَا يَعْنِي تِلْكَ الَّتِي سَمِعْتَ بِذِكْرِهَا، وَبَلَغَكَ وَصْفُهَا (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) أَيْ رِفْعَةً وَتَكَبُّرًا عَلَى الْإِيمَانِ وَالْمُؤْمِنِينَ (وَلا فَساداً) عملا بالمعاصي. قاله ابن جريح ومقاتل. وقال عكرمة ومسلم البطين: أَخْذُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ الدُّعَاءُ إِلَى غَيْرِ عِبَادَةِ اللَّهِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: هُوَ قَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ. (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) قَالَ الضَّحَّاكُ: الْجَنَّةُ. وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: الَّذِي لَا يُرِيدُ عُلُوًّا هُوَ مَنْ لَمْ يَجْزَعْ مِنْ ذُلِّهَا. وَلَمْ يُنَافِسْ فِي عِزِّهَا، وَأَرْفَعُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَشَدُّهُمْ تَوَاضُعًا، وَأَعَزُّهُمْ غَدًا أَلْزَمُهُمْ لِذُلٍّ الْيَوْمَ. وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: مَرَّ عَلِيُّ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى مَسَاكِينَ يَأْكُلُونَ كِسَرًا لَهُمْ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَدَعَوْهُ إِلَى طَعَامِهِمْ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ" تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً" ثُمَّ نَزَلَ وَأَكَلَ مَعَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكُمْ فَأَجِيبُونِي. فَحَمَلَهُمْ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَطْعَمَهُمْ وَكَسَاهُمْ وَصَرَفَهُمْ. خَرَّجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. فَذَكَرَهُ. وَقِيلَ: لَفْظُ الدَّارِ الْآخِرَةِ يَشْمَلُ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ. وَالْمُرَادُ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِتِلْكَ الدَّارِ مَنِ اتَّقَى، وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ فَتِلْكَ الدَّارُ عَلَيْهِ لَا لَهُ، لِأَنَّهَا تَضُرُّهُ وَلَا تَنْفَعُهُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) تَقَدَّمَ فِي" النمل". وقال عكرمة: ليس شي خَيْرًا مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَإِنَّمَا المعني من جاء بلا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَلَهُ مِنْهَا خَيْرٌ. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أَيْ بِالشِّرْكِ (فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ) أَيْ يعاقب بما يليق بعلمه.
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٨٥ الى ٨٨]
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute