للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ شِدَّةٌ وَعَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُكَذِّبِينَ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَمْرَهُمْ فَقَالَ: الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ أَيْ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ. (وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) أَيْ فَاجِرٍ جَائِزٍ عَنِ الْحَقِّ، مُعْتَدٍ عَلَى الْخَلْقِ فِي مُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُمْ وَعَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ أَثِيمٌ فِي تَرْكِ أَمْرِ اللَّهِ. وَقِيلَ هَذَا فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَبِي جَهْلٍ وَنُظَرَائِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ تُتْلى بِتَاءَيْنِ، وَقِرَاءَةُ أَبِي حَيْوَةَ وَأَبِي سِمَاكٍ وَأَشْهَبَ الْعُقَيْلِيِّ والسلمى:" إذا يتلى" بالياء. وأساطير الْأَوَّلِينَ: أَحَادِيثُهُمْ وَأَبَاطِيلُهُمُ الَّتِي كَتَبُوهَا وَزَخْرَفُوهَا. وَاحِدُهَا أسطورة وإسطارة، وقد تقدم.

[سورة المطففين (٨٣): الآيات ١٤ الى ١٧]

كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ): كَلَّا: رَدْعٌ وَزَجْرٌ، أَيْ لَيْسَ هُوَ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهَا حَقًّا رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ. وَقِيلَ: فِي التِّرْمِذِيِّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَتَابَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا، حَتَّى تَعْلُوَ عَلَى قَلْبِهِ (، وَهُوَ (الرَّانُّ) الَّذِي ذَكَرَ اللَّهَ فِي كِتَابِهِ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ حَتَّى يَسْوَدَّ الْقَلْبُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ، فَيُحِيطُ الذَّنْبُ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحِيطُ الذَّنْبُ بِقَلْبِهِ، حَتَّى تُغْشِيَ الذُّنُوبُ قَلْبَهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ مِثْلُ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً [البقرة «١»: ٨١] الْآيَةَ. وَنَحْوَهُ عَنِ الْفَرَّاءِ، قَالَ: يَقُولُ كَثُرَتِ الْمَعَاصِي مِنْهُمْ وَالذُّنُوبُ، فَأَحَاطَتْ بِقُلُوبِهِمْ، فَذَلِكَ الرَّيْنُ عَلَيْهَا. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا قَالَ: الْقَلْبُ مِثْلُ الْكَهْفِ وَرَفَعَ كَفَّهُ، فَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ الذَّنْبَ انْقَبَضَ، وَضَمَّ إِصْبَعَهُ، فَإِذَا أَذْنَبَ الذَّنْبَ انقبض، وضم


(١). راجع ج ٢ ص ١١