للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجِ «١» الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهَا كِلَاهُمَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: (يُرْسِلُ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَحْبِسِ الْأَعْلَى) يَشْهَدُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الْأَعْلَى لَوْ لَمْ يُرْسِلْ إِلَّا مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ لَا يَقْطَعُ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي أَقَلِّ مُدَّةٍ، وَلَمْ يَنْتَهِ حَيْثُ يَنْتَهِي إِذَا أَرْسَلَ الْجَمِيعَ، وَفِي إِرْسَالِ الْجَمِيعِ بَعْدَ أَخْذِ الْأَعْلَى مِنْهُ مَا بَلَغَ الْكَعْبَيْنِ أَعَمُّ فَائِدَةً وَأَكْثَرُ نَفْعًا فِيمَا قَدْ جُعِلَ النَّاسُ فِيهِ شُرَكَاءَ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَالٍ. هَذَا إِذَا «٢» لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مِلْكًا لِلْأَسْفَلِ مُخْتَصًّا بِهِ، فَإِنَّ مَا اسْتَحَقَّ بِعَمَلٍ أَوْ بِمِلْكٍ صَحِيحٍ أَوِ اسْتِحْقَاقٍ قَدِيمٍ وَثُبُوتِ مِلْكٍ، فَكُلٌّ عَلَى حَقِّهِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَعَلَى أَصْلِ مَسْأَلَتِهِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) أَيْ ضِيقًا وَشَكًّا، وَمِنْهُ قِيلَ لِلشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ: حَرَجٌ وَحَرَجَةٌ، وَجَمْعُهَا حِرَاجٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ إِثْمًا بِإِنْكَارِهِمْ مَا قَضَيْتَ. (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أَيْ يَنْقَادُوا لِأَمْرِكَ في القضاء. وقال الزجاج: (تَسْلِيماً) مصدر مؤكدو، فَإِذَا قُلْتَ: ضَرَبْتُ ضَرْبًا فَكَأَنَّكَ قُلْتَ لَا أَشُكُّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أَيْ وَيُسَلِّمُوا لِحُكْمِكَ تَسْلِيمًا لَا يُدْخِلُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَكًّا.

[سورة النساء (٤): الآيات ٦٦ الى ٦٨]

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨)


(١). شراج: بشين معجمة مكسورة آخره جيم جمع شرجة بفتح فسكون، وهى مسايل الماء بالحرة (بفتح فتشديد) وهى أرض ذات حجارة سود.
(٢). في ج وط: هذا ما لم يكن. [ ..... ]