للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسَأَلَ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ، لِأَنَّ الصَّبْرَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ وَلَا يُدْرَى كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ فِيهِ، وَنَفْيُ الْمَعْصِيَةِ مَعْزُومٌ عَلَيْهِ حَاصِلٌ فِي الْحَالِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ يُنَافِي الْعَزْمَ عَلَيْهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الصَّبْرَ ليس مكتسبا لنا بخلاف فعل المعصية وتركها، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُكْتَسَبٌ لَنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قوله تعالى: (قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) ٧٠ أَيْ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أُفَسِّرُهُ لَكَ، وَهَذَا مِنْ الْخَضِرِ تَأْدِيبٌ وَإِرْشَادٌ لِمَا يَقْتَضِي دَوَامَ الصُّحْبَةِ، فَلَوْ صَبَرَ وَدَأَبَ لَرَأَى الْعَجَبَ، لَكِنَّهُ أَكْثَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَتَعَيَّنَ الْفِرَاقُ وَالْإِعْرَاضُ.

[سورة الكهف (١٨): الآيات ٧١ الى ٧٣]

فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها) [فِيهِ مَسْأَلَتَانِ] الْأُولَى- فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ: (فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يُفْجَأْ [موسى «١»] إلا والخضر قد قلع لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُّومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا" لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً. قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَكَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا) قَالَ: وَجَاءَ عُصْفُورٌ فوقع على حرف السفينة فنقر نقر فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورِ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ. قَالَ علماؤنا: حرف السفينة طرفها وحرف كل شي طَرَفُهُ، [وَمِنْهُ حَرْفُ الْجَبَلِ «٢»] وَهُوَ أَعْلَاهُ الْمُحَدَّدُ. والعلم هنا بمعنى المعلوم، كما قال:


(١). الزيادة من البخاري.
(٢). الزيادة من كتب اللغة.