للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ كَفَرْتُ بِإِشْرَاكِكُمْ إِيَّايَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى في الطاعة، ف" لَمَّا" بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ «١»: إِنِّي كَفَرْتُ الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَدَّعُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ تَعَالَى. قَتَادَةُ: إِنِّي عَصَيْتُ اللَّهَ. الثَّوْرِيُّ: كَفَرْتُ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّايَ فِي الدُّنْيَا. (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْإِمَامِيَّةِ وَمَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِهِمْ، انْظُرْ إِلَى قَوْلِ الْمَتْبُوعِينَ:" لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ" وَقَوْلِ إِبْلِيسَ:" إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ" كَيْفَ اعْتَرَفُوا بِالْحَقِّ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُمْ فِي دَرَكَاتِ النَّارِ، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:" كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها" [الملك: ٨] إلى قوله:" فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ" «٢» [الملك: ١١] وَاعْتِرَافُهُمْ فِي دَرَكَاتِ لَظًى بِالْحَقِّ لَيْسَ بِنَافِعٍ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُ الِاعْتِرَافُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ" «٣» [التوبة: ١٠٢] و" عسى" من الله واجبة «٤».

[[سورة إبراهيم (١٤): آية ٢٣]]

وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ) أَيْ فِي جَنَّاتٍ لِأَنَّ دَخَلْتُ لَا يَتَعَدَّى، كَمَا لَا يَتَعَدَّى نَقِيضُهُ وَهُوَ خَرَجْتُ، وَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَلَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى بِحَالِ أَهْلِ النَّارِ أَخْبَرَ بِحَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَيْضًا. وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ" أُدْخِلَ" عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" وَأُدْخِلَ" عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِئْنَافِ. (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أَيْ بِأَمْرِهِ. وَقِيلَ: بِمَشِيئَتِهِ وَتَيْسِيرِهِ. وَقَالَ:" بِإِذْنِ رَبِّهِمْ" وَلَمْ يَقُلْ: بِإِذْنِي تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا. (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) تَقَدَّمَ فِي" يُونُسَ" «٥» وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

[سورة إبراهيم (١٤): الآيات ٢٤ الى ٢٥]

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥)


(١). كذا في ع، وفى اوج وو: ابن بجر.
(٢). راجع ج ١٨ ص ٢١٢.
(٣). راجع ج ٨ ص ٢٤١ وص ٣١٣.
(٤). أي ما دلت عليه محقق الحصول من الله.
(٥). راجع ج ٨ ص ٢٤١ وص ٣١٣.