للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ"، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ، وَرَجُلٌ أَمِهٌ «١» ذَاهِبُ الْعَقْلِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ" أَمِهَ" بِمَعْنَى أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ فَهِيَ لُغَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ. وَقَرَأَ الْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ-" بَعْدَ إِمَّةٍ" أَيْ بَعْدَ نِعْمَةٍ، أَيْ بَعْدَ أَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاةِ. ثُمَّ قِيلَ: نَسِيَ الْفَتَى يُوسُفَ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي بَقَائِهِ فِي السِّجْنِ مُدَّةً. وَقِيلَ: مَا نَسِيَ، وَلَكِنَّهُ خَافَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَلِكُ الذَّنْبَ الَّذِي بِسَبَبِهِ حُبِسَ هُوَ وَالْخَبَّازُ، فَقَوْلُهُ:" وَادَّكَرَ" أَيْ ذَكَرَ وَأَخْبَرَ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَصْلُ ادَّكَرَ اذْتَكَرَ، وَالذَّالُ قَرِيبَةُ الْمَخْرَجِ مِنَ التَّاءِ، وَلَمْ يَجُزْ إِدْغَامُهَا فِيهَا لِأَنَّ الذَّالَ مَجْهُورَةٌ، وَالتَّاءَ مَهْمُوسَةٌ، فَلَوْ أَدْغَمُوا ذَهَبَ الْجَهْرُ، فَأَبْدَلُوا مِنْ مَوْضِعِ التَّاءِ حَرْفًا مَجْهُورًا وَهُوَ الدَّالُّ، وَكَانَ أَوْلَى مِنَ الطَّاءِ لِأَنَّ الطَّاءَ مُطْبَقَةٌ، فَصَارَ اذْدَكَرَ، فَأَدْغَمُوا الذال في الدال لرخاوة الدال ولينها، ثم قال: (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) أَيْ أَنَا أُخْبِرُكُمْ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" أَنَا آتِيكُمْ بِتَأْوِيلِهِ" وَقَالَ: كَيْفَ يُنَبِّئُهُمُ الْعِلْجُ؟! «٢» قَالَ النَّحَّاسُ: وَمَعْنَى" أُنَبِّئُكُمْ" صَحِيحٌ حَسَنٌ، أَيْ أَنَا أُخْبِرُكُمْ إِذَا سَأَلْتَ. (فَأَرْسِلُونِ) خَاطَبَ الْمَلِكَ وَلَكِنْ بِلَفْظِ التَّعْظِيمِ، أَوْ خَاطَبَ الْمَلِكَ وَأَهْلَ مَجْلِسِهِ. (يُوسُفُ) نِدَاءٌ مُفْرَدٌ، وَكَذَا (الصِّدِّيقُ) أَيِ الْكَثِيرُ الصِّدْقِ. (أَفْتِنا) أَيْ فَأَرْسَلُوهُ، فَجَاءَ إِلَى يُوسُفَ فَقَالَ: أَيُّهَا الصِّدِّيقُ! وَسَأَلَهُ عَنْ رُؤْيَا الْمَلِكِ. (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) أَيْ إِلَى الْمَلِكِ وَأَصْحَابِهِ. (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) التَّعْبِيرَ، أَوْ" لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ" مَكَانَكَ مِنَ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ فَتُخْرَجُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالنَّاسِ الْمَلِكَ وَحْدَهُ تَعْظِيمًا له.

[[سورة يوسف (١٢): آية ٤٧]]

قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧)

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ تَزْرَعُونَ) لَمَّا أَعْلَمَهُ بِالرُّؤْيَا جَعَلَ يُفَسِّرُهَا لَهُ، فَقَالَ: السَّبْعُ مِنَ الْبَقَرَاتِ السِّمَانِ وَالسُّنْبُلَاتِ الْخُضْرِ سَبْعُ سنين مخصبات، وأما البقرات العجاف


(١). في ع: أمه ووامه. ذاهب العقل. والذي في اللسان: أمه الرجل فهو مأموه وهو الذي ليس عقله معه.
(٢). العلج: الكافر من العجم.