للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالسُّنْبُلَاتُ الْيَابِسَاتُ فَسَبْعُ سِنِينَ مُجْدِبَاتٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) أَيْ مُتَوَالِيَةً مُتَتَابِعَةً، وَهُوَ مَصْدَرٌ عَلَى غَيْرِ الْمَصْدَرِ، لِأَنَّ مَعْنَى" تَزْرَعُونَ" تَدْأَبُونَ كَعَادَتِكُمْ فِي الزِّرَاعَةِ سَبْعَ سِنِينَ. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ، أَيْ دَائِبِينَ. وَقِيلَ: صِفَةٌ لِسَبْعِ سِنِينَ، أَيْ دَائِبَةً. وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ يَعْقُوبَ" دَأَباً" بِتَحْرِيكِ الْهَمْزَةِ، وَكَذَا رَوَى حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ «١»، وَفِيهِ قَوْلَانِ، قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ: إِنَّهُ مِنْ دَئِبَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ اللُّغَةِ إِلَّا دَأَبَ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ- إِنَّهُ حُرِّكَ لِأَنَّ فِيهِ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ حَرْفٍ فُتِحَ أَوَّلُهُ وَسُكِّنَ ثَانِيهِ فَتَثْقِيلُهُ جَائِزٌ إِذَا كَانَ ثَانِيهِ هَمْزَةً، أَوْ هَاءً، أَوْ عَيْنًا، أَوْ غَيْنًا، أَوْ حَاءً، أَوْ خَاءً، وَأَصْلَهُ الْعَادَةُ، قَالَ «٢»:

كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا

وَقَدْ مَضَى فِي" آلِ عِمْرَانَ" «٣» الْقَوْلُ فِيهِ. (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) قِيلَ: لِئَلَّا يَتَسَوَّسُ «٤»، وَلِيَكُونَ أَبْقَى، وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِي دِيَارِ مِصْرَ. (إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ) أَيِ اسْتَخْرِجُوا مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ أَمْرٌ، وَالْأَوَّلُ خَبَرٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَيْضًا أَمْرًا، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ مِنْهُ الْخَبَرَ، فَيَكُونُ مَعْنَى:" تَزْرَعُونَ" أَيِ ازْرَعُوا. الثَّانِيَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي الْقَوْلِ بِالْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الْأَدْيَانِ وَالنُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَنْسَابِ وَالْأَمْوَالِ، فَكُلُّ مَا تَضَمَّنَ تَحْصِيلَ شي مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ، وَكُلُّ مَا يُفَوِّتُ شَيْئًا مِنْهَا فَهُوَ مَفْسَدَةٌ، وَدَفْعُهُ مَصْلَحَةٌ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَقْصُودَ الشَّرَائِعِ إِرْشَادُ النَّاسِ إِلَى مَصَالِحِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ، لِيَحْصُلَ لَهُمُ التَّمَكُّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ الْمُوَصِّلَتَيْنِ إِلَى السَّعَادَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ، وَمُرَاعَاةُ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَحْمَةٌ رَحِمَ بِهَا عِبَادَهُ، مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ، وَلَا اسْتِحْقَاقٍ، هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَجْمَعِينَ، وَبَسْطُهُ فِي أصول الفقه.


(١). اللغتان" دَأَباً" بتحريك الهمزة و" دَأَباً" بسكونها وهى قراءة الجمهور من السبعة كما في تفسير ابن عطية.
(٢). هو امرؤ القيس، وتمام البيت:
وجارتها أم الرباب بمأسل

(٣). راجع ج ٤ ص ٢٢ فما بعد.
(٤). كذا في اوع ك وى.