للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِأَنَّهُمْ يُقَوُّونَ أَمْرَهُ كَمَا يُقَوِّي الْوَتِدُ الْبَيْتَ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْعَرَبُ تَقُولُ هُمْ فِي عِزٍّ ثَابِتِ الْأَوْتَادِ، يُرِيدُونَ دَائِمًا شَدِيدًا. وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْبَيْتَ مِنْ بُيُوتِ الشَّعْرِ إِنَّمَا يَثْبُتُ وَيَقُومُ بِالْأَوْتَادِ. وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَعْفُرَ

وَلَقَدْ غَنَوْا فِيهَا بِأَنْعَمَ عِيشَةٍ ... فِي ظِلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الْأَوْتَادِ

وَوَاحِدُ الْأَوْتَادِ وَتِدٌ بِالْكَسْرِ، وَبِالْفَتْحِ لُغَةٌ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ وَتِدٌ وَاتِدٌ كما يقال شغل شاغل. وأنشد «١»:

لَاقَتْ عَلَى الْمَاءِ جُذَيْلًا وَاتِدَا ... وَلَمْ يَكُنْ يُخْلِفُهَا الْمَوَاعِدَا

قَالَ: شَبَّهَ الرَّجُلَ بِالْجِذْلِ." وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ" أَيِ الْغَيْضَةُ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهَا فِي [الشُّعَرَاءِ «٢»]. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ" لَيْكَةَ" بِفَتْحِ اللَّامِ وَالتَّاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ. وَهَمَزَ الْبَاقُونَ وَكَسَرُوا التَّاءَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا." أُولئِكَ الْأَحْزابُ" أَيْ هُمُ الْمَوْصُوفُونَ بِالْقُوَّةِ وَالْكَثْرَةِ، كَقَوْلِكَ فُلَانٌ هُوَ الرَّجُلُ." إِنْ كُلٌّ" بِمَعْنَى مَا كُلٌّ." إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ" أَيْ فَنَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ لِذَلِكَ التَّكْذِيبِ. وَأَثْبَتَ يَعْقُوبُ الْيَاءَ فِي" عَذَابِي" وَ" عِقَابِي" فِي الْحَالَيْنِ وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ" [غافر: ٣١ - ٣٠] فسمى هذه الأمم أحزابا.

[سورة ص (٣٨): الآيات ١٥ الى ١٦]

وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَا لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً"" يَنْظُرُ" بِمَعْنَى يَنْتَظِرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ" [الحديد: ١٣]." هؤُلاءِ" يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ." إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً"


(١). البيت لأبى محمد الفقعسي. والضمير في لافت ضمير الإبل.
(٢). راجع ج ١٣ ص ١٣٤ وما بعده طبعه أولى أو ثانية.