الثَّامِنَةُ- قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِنَّ هَذَا، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ نَدْبٌ لَا إِلْزَامٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: إِذَا احْتِيجَ إِلَى الْمِحْنَةِ مِنْ أَجْلِ تَبَاعُدِ الدَّارِ كَانَ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ إِقَامَةُ المحنة.
[[سورة الممتحنة (٦٠): آية ١٣]]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) يَعْنِي الْيَهُودَ. وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْيَهُودَ بِأَخْبَارِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُوَاصِلُونَهُمْ فَيُصِيبُونَ بِذَلِكَ مِنْ ثِمَارِهِمْ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) يَعْنِي الْيَهُودَ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقِيلَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْعَمَلَ لِلْآخِرَةِ وَآثَرُوا الدُّنْيَا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَئِسُوا مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَمَعْنَى (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ) أَيِ الْأَحْيَاءُ مِنَ الْكُفَّارِ. (مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ «١» [الجاثية ٢٤]. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الدُّنْيَا. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَتَمَ السُّورَةَ بِمَا بَدَأَهَا مِنْ تَرْكِ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَهِيَ خِطَابٌ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا أَيْ لَا تُوَالُوهُمْ وَلَا تُنَاصِحُوهُمْ، رَجَعَ تَعَالَى بِطُولِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ. يُرِيدُ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَدْ يَئِسُوا مِنْ خَيْرِ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ الْمَقْبُورُونَ مِنْ حَظٍّ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ قَالَ: مَنْ مَاتَ مِنَ الْكُفَّارِ يَئِسَ مِنَ الْخَيْرِ. وَاللَّهُ أعلم.
(١). راجع ج ١٦ ص ١٧٠
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute