قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) قَالَ الْحَسَنُ: الْغَائِبَةُ هُنَا الْقِيَامَةُ. وَقِيلَ: مَا غَابَ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ. وَقَالَ ابْنُ شَجَرَةَ: الْغَائِبَةُ هُنَا جَمِيعُ مَا أَخْفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ خَلْقِهِ وَغَيَّبَهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا عَامٌّ. وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْهَاءُ فِي" غَائِبَةِ" إِشَارَةً إِلَى الْجَمْعِ، أَيْ. مَا مِنْ خَصْلَةٍ غَائِبَةٍ عَنِ الْخَلْقِ إِلَّا وَاللَّهُ عَالِمٌ بِهَا قَدْ أَثْبَتَهَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ عِنْدَهُ، فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يُسِرُّ هَؤُلَاءِ وَمَا يُعْلِنُونَهُ. وَقِيلَ: أي كل شي هُوَ مُثْبَتٌ فِي أُمِّ الْكِتَابِ يُخْرِجُهُ لِلْأَجَلِ الْمُؤَجَّلِ لَهُ، فَالَّذِي يَسْتَعْجِلُونَهُ مِنَ الْعَذَابِ لَهُ أَجَلٌ مَضْرُوبٌ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ. وَالْكِتَابُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ أَثْبَتَ اللَّهُ فِيهِ مَا أَرَادَ لِيُعْلِمَ بِذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ ملائكته.
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٧٦ الى ٨١]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠)
وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ حَتَّى لَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَنَزَلَتْ. وَالْمَعْنَى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لَوْ أَخَذُوا بِهِ، وَذَلِكَ مَا حَرَّفُوهُ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَمَا سَقَطَ مِنْ كُتُبِهِمْ مِنَ الْأَحْكَامِ. (وَإِنَّهُ) يَعْنِي الْقُرْآنَ (لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) أَيْ يَقْضِي بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فِي الْآخِرَةِ، فَيُجَازِي الْمُحِقَّ وَالْمُبْطِلَ. وَقِيلَ: يَقْضِي بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَيُظْهِرُ مَا حَرَّفُوهُ. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الْمَنِيعُ الْغَالِبُ الَّذِي لَا يُرَدُّ أَمْرُهُ (الْعَلِيمُ) الَّذِي لَا يخفى عليه شي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute