قُلْتُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الصَّافَّاتِ". وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ رَمْيٌ بِالشُّهُبِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ؟ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ نَعَمْ. وَقِيلَ: لَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ" الْجِنِّ (١) " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي" الصَّافَّاتِ" أَيْضًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالرَّمْيُ بِالشُّهُبِ مِنْ آيَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا حَدَثَ بَعْدَ مَوْلِدِهِ، لِأَنَّ الشُّعَرَاءَ فِي الْقَدِيمِ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي أَشْعَارِهِمْ، وَلَمْ يُشَبِّهُوا الشَّيْءَ السَّرِيعَ بِهِ كَمَا شَبَّهُوا بِالْبَرْقِ وَبِالسَّيْلِ. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: انْقِضَاضُ الْكَوَاكِبِ كَانَ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، ثُمَّ صَارَ رُجُومًا حِينَ وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: نَحْنُ نَرَى انْقِضَاضَ الْكَوَاكِبِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَمَا نَرَى ثُمَّ يَصِيرَ نَارًا إِذَا أَدْرَكَ الشَّيْطَانَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُرْمَوْنَ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ مِنَ الْهَوَى فَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهُ نَجْمٌ سَرَى. وَالشِّهَابُ فِي اللُّغَةِ النَّارُ السَّاطِعَةُ. وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ بِنُجُومٍ لَمْ تَكُنْ تُرْجَمُ بِهَا قَبْلُ، فَأَتَوْا عَبْدَ يَالِيلَ بْنَ عَمْرٍو الثَّقَفِيَّ فَقَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ فَزِعُوا وَقَدْ أَعْتَقُوا رَقِيقَهُمْ وَسَيَّبُوا أَنْعَامَهُمْ لِمَا رَأَوْا فِي النُّجُومِ. فَقَالَ لَهُمْ- وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى-: لَا تَعْجَلُوا، وَانْظُرُوا فَإِنْ كَانَتِ النُّجُومُ الَّتِي تُعْرَفُ فَهِيَ عِنْدَ فَنَاءِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَفُ فَهِيَ مِنْ حَدَثٍ. فَنَظَرُوا فَإِذَا هِيَ نُجُومٌ لَا تُعْرَفُ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ حَدَثٍ. فَلَمْ يَلْبَثُوا حَتَّى سَمِعُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[سورة الحجر (١٥): الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) هَذَا مِنْ نِعَمِهِ أَيْضًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَسَطْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، كَمَا قَالَ" وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها «١» " أي
(١). راجع ج ١٩ ص ١٠، وص ٢٠١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute