[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٨٧ الى ٨٨]
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)
قوله تعالى: (وَذَا النُّونِ) أَيْ وَاذْكُرْ" ذَا النُّونِ" وَهُوَ لَقَبٌ لِيُونُسَ بْنِ مَتَّى لِابْتِلَاعِ النُّونِ إِيَّاهُ. وَالنُّونُ الْحُوتُ. وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى صَبِيًّا مَلِيحًا فَقَالَ: دَسِّمُوا نُونَتَهُ كَيْ لَا تُصِيبَهُ الْعَيْنُ. رَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: النُّونَةُ النُّقْبَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ذَقَنِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ، وَمَعْنَى دَسِّمُوا سَوِّدُوا. (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) قَالَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْقُتَبِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْمَهْدَوِيُّ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وقال النحاس: وربما أنكره هَذَا مَنْ لَا يَعْرِفُ اللُّغَةَ وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ. وَالْمَعْنَى: مُغَاضِبًا مِنْ أَجْلِ رَبِّهِ، كَمَا تَقُولُ: غَضِبْتُ لَكَ أَيْ مِنْ أَجْلِكَ. وَالْمُؤْمِنُ يَغْضَبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا عُصِيَ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ: (اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ) مِنْ هَذَا. وَبَالَغَ الْقُتَبِيُّ فِي نُصْرَةِ هَذَا الْقَوْلِ. وَفِي الْخَبَرِ فِي وَصْفِ يُونُسَ: إِنَّهُ كَانَ ضَيِّقَ الصَّدْرِ فَلَمَّا حَمَلَ أَعْبَاءَ النُّبُوَّةِ تَفَسَّخَ تَحْتَهَا تَفَسُّخَ الرُّبَعِ «١» تَحْتَ الْحِمْلِ الثَّقِيلِ، فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ مُضِيَّ الْآبِقِ النَّادِّ. وَهَذِهِ الْمُغَاضَبَةُ كَانَتْ صَغِيرَةً. وَلَمْ يَغْضَبْ عَلَى اللَّهِ وَلَكِنْ غَضِبَ لِلَّهِ إِذْ رَفَعَ الْعَذَابَ عَنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَبَقَ مِنْ رَبِّهِ أي من أمر ربه حتى أمره بالعودة إِلَيْهِمْ بَعْدَ رَفْعِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ. فَإِنَّهُ كَانَ يتوعد قومه نزول الْعَذَابِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَأَظَلَّهُمُ الْعَذَابُ فَتَضَرَّعُوا فَرُفِعَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَعْلَمْ يُونُسُ بِتَوْبَتِهِمْ، فَلِذَلِكَ ذَهَبَ مُغَاضِبًا وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَلَّا يَذْهَبَ إِلَّا بِإِذْنٍ مُحَدَّدٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَسِيرِ إِلَى قَوْمِهِ فَسَأَلَ أَنْ يُنْظَرَ لِيَتَأَهَّبَ، فَأَعْجَلَهُ اللَّهُ حَتَّى سَأَلَ أَنْ يَأْخُذَ نَعْلًا لِيَلْبَسَهَا فَلَمْ يُنْظَرْ، وَقِيلَ لَهُ: الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ- وَكَانَ فِي خُلُقِهِ ضِيقٌ- فَخَرَجَ مغاضبا لربه، فهذا قول. وقول
(١). الربع: ما ولد من الإبل في الربيع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute