السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. قِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ). قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَالرَّبِيعُ. الثَّانِي- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) قَالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ. الثَّالِثُ- عُقْدَةُ النِّكَاحِ قَوْلُ الرجل: نكحت وملكت [عقدة «١»] النكاح، قال مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ الولد. والله أعلم.
[[سورة النساء (٤): آية ٢٢]]
وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) يُقَالُ: كَانَ النَّاسُ يَتَزَوَّجُونَ امْرَأَةَ الْأَبِ بِرِضَاهَا بَعْدَ نُزُولِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ) فَصَارَ حَرَامًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، لِأَنَّ النِّكَاحَ يَقَعُ عَلَى الْجِمَاعِ وَالتَّزَوُّجِ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ وَطِئَهَا بِغَيْرِ نِكَاحٍ حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّانِيةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا نَكَحَ) قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا النِّسَاءُ. وَقِيلَ: الْعَقْدُ، أَيْ نِكَاحُ آبَائِكُمُ الْفَاسِدُ الْمُخَالِفُ لِدِينِ اللَّهِ، إِذِ اللَّهُ قَدْ أَحْكَمَ وَجْهَ النِّكَاحِ وَفَصَّلَ شُرُوطَهُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. فَ (مِنَ) مُتَعَلِّقَةٌ بِ (تَنْكِحُوا) وَ (مَا نَكَحَ) مَصْدَرٌ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ وَلَا تَنْكِحُوا النِّسَاءَ اللَّاتِي نَكَحَ آبَاؤُكُمْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ (مَا) (مَنْ). فَالنَّهْيُ عَلَى هَذَا إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى أَلَّا يَنْكِحُوا مِثْلَ نِكَاحِ آبَائِهِمُ الْفَاسِدِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَتَكُونُ (مَا) بِمَعْنَى (الَّذِي) وَ (مَنْ). وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَلَقَّتِ الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَمِنْهُ اسْتَدَلَّتْ عَلَى مَنْعِ نِكَاحِ الْأَبْنَاءِ حَلَائِلَ الْآبَاءِ. وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ قَبَائِلُ قَدِ اعْتَادَتْ أَنْ يَخْلُفَ ابْنُ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَةِ أبيه،
(١). من ج وى وط وز وهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute