للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً «١» (. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ وَكُلُّهَا يُبْنَى بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ بَكْرٍ: إِنْ أَرَادَتْ هِيَ الْعَطَاءَ، فَقَدْ جَوَّزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَوْجَتِهِ مَا سَاقَ إِلَيْهَا. (بُهْتاناً) مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ (وَإِثْماً) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ (مُبِيناً) مِنْ نَعْتِهِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) الْآيَةُ. تَعْلِيلٌ لِمَنْعِ الْأَخْذِ مَعَ الْخَلْوَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْإِفْضَاءُ إِذَا كَانَ مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ جَامَعَ أَوْ لَمْ يُجَامِعْ، حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْإِفْضَاءُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَأَنْ يُجَامِعَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمُ: الْإِفْضَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْجِمَاعُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَكِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُكَنِّي. وَأَصْلُ الْإِفْضَاءِ فِي اللُّغَةِ الْمُخَالَطَةُ، وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الْمُخْتَلِطِ: فَضًا. قَالَ الشَّاعِرُ:

فَقُلْتُ لَهَا يَا عَمَّتِي لَكِ نَاقَتِي ... وَتَمْرٌ فَضًا فِي عَيْبَتِي وَزَبِيبُ «٢»

وَيُقَالُ: الْقَوْمُ فَوْضَى فَضًا، أَيْ مُخْتَلِطُونَ لَا أَمِيرَ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى أَنَّ مَعْنَى (أَفْضَى) خَلَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَامَعَ، هَلْ يَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ بِوُجُودِ الْخَلْوَةِ أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: يَسْتَقِرُّ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ. لَا يستقر إلا بالوطي. يَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ فِي بَيْتِ الْإِهْدَاءِ. التَّفْرِقَةُ بَيْنَ بَيْتِهِ وَبَيْتِهَا. وَالصَّحِيحُ اسْتِقْرَارُهُ بِالْخَلْوَةِ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، قَالُوا: إِذَا خَلَا بِهَا خَلْوَةً صَحِيحَةً يَجِبُ كَمَالُ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ). وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَرَأَى عَوْرَةً فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ. وَعَنْ عَلِيٍّ: إِذَا أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَرَأَى عَوْرَةً فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا طَالَ مُكْثُهُ مَعَهَا مِثْلَ السَّنَةِ وَنَحْوِهَا، وَاتَّفَقَا عَلَى أَلَّا مَسِيسَ وَطَلَبَتِ الْمَهْرَ كله كان لها. وقال الشَّافِعِيُّ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ. وقد مضى في (البقرة «٣»).


(١). راجع ج ٣ ص ١٣٦.
(٢). العيبة: زبيل من أدم ينقل فيه الزرع المحصود إلى الجرين. وما يجعل فيه الثياب.
(٣). راجع ج ٣ ص ٢٠٥