للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِقَدْرِ [مَا «١» [لَا يَضُرُّ بِوَرَثَتِهِ الصِّغَارِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى قُولُوا «٢» لِلْمَيِّتِ قَوْلًا عَدْلًا، وَهُوَ أَنْ يُلَقِّنَهُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَقُولُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْهُ وَيَتَلَقَّنَ. هَكَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَلَمْ يَقُلْ مُرُوهُمْ، لِأَنَّهُ لَوْ أُمِرَ بِذَلِكَ لَعَلَّهُ يَغْضَبُ وَيَجْحَدُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْيَتِيمُ، أَنْ لَا يَنْهَرُوهُ «٣» وَلَا يَسْتَخِفُّوا بِهِ.

[[سورة النساء (٤): آية ١٠]]

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ زَيْدٍ، وَلِيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ يَتِيمٌ صَغِيرٌ فَأَكَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ هذه الآية، قاله مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْمُرَادَ الْأَوْصِيَاءُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُمْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصِّغَارَ. وَسُمِّيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى كُلِّ وُجُوهِهِ أَكْلًا، لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَكْلُ وَبِهِ أَكْثَرُ إِتْلَافِ الْأَشْيَاءِ. وَخَصَّ الْبُطُونَ بِالذِّكْرِ لِتَبْيِينِ نَقْصِهِمْ، وَالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ بِضِدِّ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَسَمَّى الْمَأْكُولَ نَارًا بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً «٤») أَيْ عِنَبًا. وَقِيلَ: نَارًا أَيْ حَرَامًا، لِأَنَّ الْحَرَامَ يُوجِبُ النَّارَ، فَسَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِاسْمِهِ. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: (رَأَيْتُ قَوْمًا لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ بِمَشَافِرِهِمْ ثُمَّ يَجْعَلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ صَخْرًا مِنْ نَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هُمُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا (. فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ أَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) وَذَكَرَ فِيهَا (وَأَكْلَ مال اليتيم). الثانية- قوله تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى اسْمِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، مِنْ أَصْلَاهُ اللَّهُ حَرَّ النَّارِ إصلاء. قال الله تعالى: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ «٥» (قرأ أَبُو حَيْوَةَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللام من التصلية لكثرة


(١). من ج.
(٢). في ى: قول الطيب.
(٣). في ط وى وز: أي لا تتهروه ولا تستخفوا به. [ ..... ]
(٤). راجع ج ٩ ص ١٨٨.
(٥). راجع ج ١٩ ص ٧٥