للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ- أَنْ يَكُونَ" إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ" خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَمَا بَعْدَهُ لِلْكُفَّارِ. أَيْ وَإِنْ تَعُودُوا إِلَى الْقِتَالِ نَعُدْ إِلَى مِثْلِ وَقْعَةِ بَدْرٍ. الْقُشَيْرِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خِطَابٌ للكفار، فإنهم لما نفروا إلى نصر الْعِيرِ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَقَالُوا: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَهْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَأَفْضَلَ الدِّينَيْنِ. الْمَهْدَوِيُّ: وَرُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ خَرَجُوا مَعَهُمْ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ يَسْتَفْتِحُونَ بِهَا، أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ قُلْتُ: وَلَا تَعَارُضَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا فَعَلُوا الْحَالَتَيْنِ. (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَبِفَتْحِهَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ:" وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ". أَوْ عَلَى قَوْلِهِ:" أَنِّي مَعَكُمْ". وَالْمَعْنَى: وَلِأَنَّ اللَّهَ، وَالتَّقْدِيرُ لِكَثْرَتِهَا وَأَنَّ اللَّهَ. أَيْ مَنْ كَانَ اللَّهُ فِي نَصْرِهِ لَمْ تَغْلِبْهُ فِئَةٌ وَإِنْ كثرت.

[[سورة الأنفال (٨): آية ٢٠]]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ٢٠ الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ. أَفْرَدَهُمْ بِالْخِطَابِ دُونَ الْمُنَافِقِينَ إِجْلَالًا لَهُمْ. جَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْأَمْرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّوَلِّي عَنْهُ. هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْخِطَابُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُنَافِقِينَ. وَالْمَعْنَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا وإنما كَانَ مُحْتَمَلًا عَلَى بُعْدٍ فَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، لِأَنَّ «١» اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ مَنْ خَاطَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْإِيمَانِ. وَالْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ، وَالْمُنَافِقُونَ لَا يَتَّصِفُونَ مِنَ التَّصْدِيقِ بِشَيْءٍ. وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا مَنْ قَالَ: إِنَّ الْخِطَابَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهُ أجنبي من «٢» الآية. (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) ٢٠ التَّوَلِّي الْإِعْرَاضُ. وَقَالَ" عَنْهُ" وَلَمْ يَقُلْ عَنْهُمَا لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَتُهُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «٣» ".


(١). في ب وج وهـ: لأجل.
(٢). في ى: في الآية.
(٣). راجع ج ٨ ص ١٩٣ فما بعد.