للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٣ الى ٤]

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) قِيلَ: الْمُرَادُ أَهْلُ مَكَّةَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِكُفَّارِ مَكَّةَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ أَبَدًا وَلَا نُبْعَثُ. فَقَالَ اللَّهُ:" قُلْ" يَا مُحَمَّدُ" بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ" وَرَوَى هَارُونُ عَنْ طَلْقٍ الْمُعَلِّمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَشْيَاخَنَا يَقْرَءُونَ" قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَيَأْتِيَنَّكُمْ" بِيَاءٍ، حَمَلُوهُ عَلَى الْمَعْنَى، كَأَنَّهُ قَالَ: لَيَأْتِيَنَّكُمُ الْبَعْثُ أو أمره. كما قال:"لْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ

" «١» [الانعام: ١٥٨]. فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ مُقِرُّونَ بِالِابْتِدَاءِ مُنْكِرُونَ الْإِعَادَةَ، وَهُوَ نَقْضٌ لِمَا اعْتَرَفُوا بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْبَعْثِ، وَقَالُوا: وَإِنْ قَدَرَ لَا يَفْعَلُ. فَهَذَا تَحَكُّمٌ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ أَنَّهُ يَبْعَثُ الْخَلْقَ، وَإِذَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِشَيْءٍ وَهُوَ مُمْكِنٌ فِي الْفِعْلِ مَقْدُورٌ، فَتَكْذِيبُ مَنْ وَجَبَ صِدْقُهُ مُحَالٌ. (عَالِمُ الْغَيْبِ) بِالرَّفْعِ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ) وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو" عالِمِ" بِالْخَفْضِ، أَيِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَالِمِ، فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ:" لَتَأْتِيَنَّكُمْ". وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:" عَلَّامِ الْغَيْبِ" عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالنَّعْتِ. (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ) أَيْ لَا يَغِيبُ عَنْهُ،" وَيَعْزِبُ" أَيْضًا. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْكَسْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ. النَّحَّاسُ: وَهِيَ قِرَاءَةُ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ. يُقَالُ: عَزَبَ يَعْزُبُ وَيَعْزِبُ إِذَا بَعُدَ وَغَابَ. (مِثْقالُ ذَرَّةٍ) أَيْ قَدْرُ نَمْلَةٍ صَغِيرَةٍ. (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ) وَفِي قِرَاءَةِ الْأَعْمَشِ" وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ" بِالْفَتْحِ فيهما عطفا على" ذَرَّةٍ". وقراء العامة


(١). راجع ج ١٠ ص ١٠٢.