[[سورة التوبة (٩): آية ٢]]
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَسِيحُوا" رَجَعَ مِنَ الْخَبَرِ إِلَى الْخِطَابِ أَيْ قُلْ لَهُمْ سِيحُوا أَيْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ آمِنِينَ غَيْرَ خَائِفِينَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَرْبٍ وَلَا سَلْبٍ وَلَا قَتْلٍ وَلَا أَسْرٍ. يُقَالُ سَاحَ فُلَانٌ فِي الْأَرْضِ يَسِيحُ سِيَاحَةً وَسُيُوحًا وَسَيَحَانًا وَمِنْهُ السَّيْحُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي الْمُنْبَسِطِ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ:
لَوْ خِفْتُ هَذَا مِنْكَ مَا نِلْتَنِي ... حَتَّى تَرَى أَمَامِي تَسِيحُ الثَّانِيَةُ
- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّأْجِيلِ وَفِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَرَسُولُهُ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: هُمَا صِنْفَانِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَحَدُهُمَا كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأُمْهِلَ تَمَامَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ بِغَيْرِ أَجَلٍ مَحْدُودٍ فَقُصِرَ بِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِيَرْتَادَ لِنَفْسِهِ. ثُمَّ هُوَ حَرْبٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يُقْتَلُ حَيْثُ مَا أُدْرِكَ وَيُؤْسَرُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ. وَابْتِدَاءُ هَذَا الْأَجَلِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَانْقِضَاؤُهُ إِلَى عَشْرٍ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ. فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَإِنَّمَا أَجَلُهُ انْسِلَاخُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَذَلِكَ خَمْسُونَ يَوْمًا: عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّمَا كَانَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ لِمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَمَنْ كَانَ عَهْدُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُتَمَّ لَهُ عَهْدُهُ بِقَوْلِهِ" فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ" [التوبة: ٤] وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ مَكَّةَ. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنْ يَضَعُوا الْحَرْبَ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ بَنُو بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، فَعَدَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute