للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السِّينِ قِيَاسًا عَلَى" شَقُوا" وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالسَّعَادَةُ خِلَافُ الشَّقَاوَةِ، تَقُولُ: مِنْهُ سَعِدَ الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ سَعِيدٌ، مِثْلُ سَلِمَ فَهُوَ سَلِيمٌ، وَسَعِدَ فَهُوَ مَسْعُودٌ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ: مُسْعَدٌ، كَأَنَّهُمُ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِمَسْعُودٍ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ: وَقَدْ وَرَدَ سَعِدَهُ اللَّهُ فَهُوَ مَسْعُودٌ، وَأَسْعَدَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُسْعَدٌ، فَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُقَالُ سَعِدَ فُلَانٌ كَمَا لَا يُقَالُ شَقِيَ فُلَانٌ، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَعَدَّى. (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ، مِنْ جَذَّهُ يَجُذُّهُ أَيْ قَطَعَهُ، قَالَ النَّابِغَةُ:

تَجُذُّ السَّلُوقِيَّ الْمُضَاعَفَ نَسْجُهُ ... وَتُوقِدُ بِالصُّفَّاحِ نَارَ الْحُبَاحِبِ «١»

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلا تَكُ) جَزْمٌ بِالنَّهْيِ، وَحُذِفَتِ النُّونُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. (فِي مِرْيَةٍ) أَيْ فِي شَكٍّ. (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) مِنَ الْآلِهَةِ أَنَّهَا بَاطِلٌ. وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا: أَيْ قُلْ يا محمد لكل من شك" فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ" أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا يَعْبُدُونَهَا كَمَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ تَقْلِيدًا لَهُمْ. (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا- نَصِيبُهُمْ مِنَ الرِّزْقِ، قَالَهُ أبو العالية. الثاني- نصيبهم من العذاب، قال ابْنُ زَيْدٍ. الثَّالِثُ- مَا وُعِدُوا بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما.

[[سورة هود (١١): آية ١١٠]]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠)

قوله تعالى: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) الْكَلِمَةُ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِمَا عَلِمَ فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّلَاحِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَضَى بَيْنَهُمْ أَجَلَهُمْ بِأَنْ يُثِيبَ الْمُؤْمِنَ وَيُعَاقِبَ الْكَافِرَ. قِيلَ: الْمُرَادُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي كِتَابِ مُوسَى، فَإِنَّهُمْ كَانُوا بَيْنَ مُصَدِّقٍ [بِهِ «٢»] وَمُكَذِّبٍ. وَقِيلَ: بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيكَ يَا مُحَمَّدُ بِتَعْجِيلِ الْعِقَابِ، ولكن


(١). البيت للنابغة الذبياني يصف فيه السيوف. ويروى (تقد- ويوقدن). والسلوقي: الدرع المنسوب إلى سلوق، قرية باليمن. والمضاعف: الذي نسج حلقتين. والصفاح: الحجارة العراض. والحباحب: ذباب له شعاع بالليل، وقيل: نار الحباحب ما اقتدح من شرر النار في الهواء بتصادم حجرين.
(٢). من اوووى.