للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَدْ عَذَرَهُمْ. أَيْ مَنْ شَاءَ أَنْ يَسِيرَ مِنْهُمْ مَعَكُمْ إِلَى خَيْبَرَ فَلْيَفْعَلْ." وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" فِيمَا أَمَرَهُ." يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ" قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ" نُدْخِلْهُ" بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيمِ. الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ لِتَقَدُّمِ اسْمِ اللَّهِ أَوَّلًا." وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً".

[سورة الفتح (٤٨): الآيات ١٨ الى ١٩]

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ" هَذِهِ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، وَكَانَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَهَذَا خَبَرُ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى اخْتِصَارٍ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي شَوَّالٍ، وَخَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مُعْتَمِرًا، وَاسْتَنْفَرَ الْأَعْرَابَ الَّذِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَأَبْطَأَ عَنْهُ أَكْثَرُهُمْ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَجَمِيعُهُمْ نَحْوُ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ. وَقِيلَ: أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا، عَلَى مَا يَأْتِي. وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ، فَأَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ لِحَرْبٍ، فَلَمَّا بَلَغَ خُرُوجَهُ قُرَيْشًا خَرَجَ جَمْعُهُمْ صَادِّينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ، وَإِنَّهُ إِنْ قَاتَلَهُمْ قَاتَلُوهُ دُونَ ذَلِكَ، وَقَدَّمُوا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي خَيْلٍ إِلَى (كُرَاعِ الْغَمِيمِ) «١» فَوَرَدَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ (بِعُسْفَانَ) «٢» وَكَانَ الْمُخْبِرُ لَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ، فَسَلَكَ طَرِيقًا يَخْرُجُ بِهِ فِي ظُهُورِهِمْ، وَخَرَجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، وَكَانَ دَلِيلُهُ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ خَيْلَ قُرَيْشٍ الَّتِي مَعَ خالد، جرت إلى قريش تعلمهم بذلك،


(١). لسمم موضع بين مكة والمدينة.
(٢). عسفان (بضم أوله وسكون ثانيه): منهلة من مناهل الطريق بين الحجفة ومكة. وقيل: على مرحلتين من مكة على طريق المدينة. (معجم البلدان).