للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) أَيْ إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ بِالْكُفْرِ، فَقُلْ لِمَنْ آمَنَ وَحَقَّقَ عُبُودِيَّتَهُ أَنْ (يُقِيمُوا الصَّلاةَ) يَعْنِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، أَيْ قُلْ لَهُمْ أَقِيمُوا، وَالْأَمْرُ مَعَهُ شَرْطٌ مُقَدَّرٌ، تَقُولُ: أَطِعِ اللَّهَ يُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ، أَيْ إِنْ أَطَعْتَهُ يُدْخِلْكُ الْجَنَّةَ، هَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:" يُقِيمُوا" مَجْزُومٌ بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ لِيُقِيمُوا فَأُسْقِطَتِ اللَّامُ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَلَّ عَلَى الْغَائِبِ بِ" قُلْ". قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ:" يُقِيمُوا" جَوَابُ أَمْرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ قُلْ لَهُمْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ. (وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) يَعْنِي الزَّكَاةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: السِّرُّ مَا خَفِيَ وَالْعَلَانِيَةُ مَا ظَهَرَ. وَقَالَ القاسم ابن يَحْيَى: إِنَّ السِّرَّ التَّطَوُّعُ وَالْعَلَانِيَةَ الْفَرْضُ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي" الْبَقَرَةِ" «١» مُجَوَّدًا عِنْدَ قوله:" إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ" [البقرة: ٢٧١]. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" «٢» أَيْضًا. وَ" خِلالٌ" جَمْعُ خُلَّةٍ كَقُلَّةٍ وَقِلَالٍ. قَالَ «٣»: فلست بمقلي الخلال ولا قالي.

[سورة إبراهيم (١٤): الآيات ٣٢ الى ٣٤]

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أَيْ أَبْدَعَهَا وَاخْتَرَعَهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ. (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) أَيْ مِنَ السَّحَابِ. (مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ) أي من الشجر


(١). راجع ج ٣ ص ٣٣٢ فما بعد وص ٢٦٦ فما بعد.
(٢). راجع ج ٣ ص ٣٣٢ فما بعد وص ٢٦٦ فما بعد.
(٣). قاله امرؤ القيس، وصدر البيت: صرفت الهوى عنهن من خشية الردى.